ولولا الوفاء لإسلامنا لمـا قرر الشعب يوما مآله...

بقلم الأستاذ حديبي المدني
ولولا الوفاء لإسلامنا لمـا قرر الشعب يوما مآله... Hmshadibi

الألفة الغافلة: أو مغنية الحي لا تطرب:لقد طال الأمد على أجيال الاستقلال فلم يعرف- الكثير منها -القيمة الكبرى والنعمة العظمى لثورة نوفمبر وقدسيتها وربانيتها وعالميتها وتأثيرها العجيب المدهش في كثير من شعوب الإنسانية ..بل انبهرت بتجارب مشوهة ومقززة وصغيرة وحقيرة...ولم تدرك بعد أنها تملك أعظم رصيد تاريخي ضخم تتغنى به حركات المقاومة من غزة إلى بغداد... و تستلهم منه الدروس والعبر ومعالم الطريق:

شربت العقيدة حتى الثمالـــة فأسـلمت وجهي لـرب الجلالـة
ولولا الوفـاء لإسلامنــــا لمـا قرر الشعب يومـا مآله
ولولا استقامــة أخلاقنـــا لمـا أخلص الشعب يوما نضالـه
ولولا تحالف شــعـب وربٍّ لمـا حقق الرب يومــاً سـؤاله
هو الدين يغمـر أرواحنــا بنـور اليقيـن ويرسـي العدالـة

عوامل النصر والتمكين:لقد استطاعت ثورة نوفمبر أن تقهر وتهزم فرنسا وجنرالاتها ومخططاتها بفضل العوامل الحاسمة الآتية:

1-العمل التراكمي الهادئ البطيء:..والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان...

إذ لم تنطلق الثورة من فراغ..بل استفادت من كل العمل التراكمي الهادئ الهادي البطيء الذي صنعته الثورات الشعبية المتواصلة..و جمعية العلماء المسلمين الجزائريين...و شيوخ الزوايا المخلصين..والحركات الوطنية الصادقة..

2-قوة العقيدة والإيمان: قال الله عز وجل:واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس،فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون..

لقد انتصرنا على فرنسا وقوات الحلف الأطلسي بفضل قوة الربانية والاتصال بالله والتوكل عليه...فكان شعار المجاهدين:الله أكبر.. الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا...وكلمة السر:علي محمد...:

ولولا تحالف شــعـب وربٍّ لمـا حقق الرب يومــاً سـؤاله

إن معركتنا مع فرنسا هي معركة الهلال والصليب..:

كان أحد جنرالات فرنسا يردد:...وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا..

ويقول خارجيتها بيدو:إنها معركة الهلال والصليب...

شهادة التاريخ:ولنستمع إلى التاريخ وهو يؤكد شهادة بيدو:

لعب الرهبان الذين رافقوا الحملة الفرنسية، دورا كبيرا في نشر الديانة المسيحية على الساحة الجزائرية وتعبئة جند الاحتلال وشحنهم بالروح الصليبية.ويعتبر الراهب لافيجري... : الذي وصل الجزائر عام 1867 ، أكثر الناشطين المفوضين من قبل الإدارة الاستعمارية للتنصير, .. واعتبارا من هذا التاريخ شرعت هذه الأخيرة في بناء الأديرة و الكنائس المسيحية. وهدفها في ذلك؛ القضاء على الدين الإسلامي و تنصير أكبر قدر ممكن من الجزائريين في إطار إعادة مجد الكنيسة الإفريقية الرومانية و مواصلة عمل أجداده الرومان..

قد اعتمدت سياسة التنصير على عدة عوامل أساسية استغلت لتحقيق نتائج حاسمة في خلق جيل منصر و مسيحي من الأهالي الجزائريين , و هذا ما كانت تهدف إليه الإدارة الاستعمارية و من أهم هذه العوامل ما يلي:
الأوضاع الاجتماعية المزرية...
الفقر المدقع.....
.. الأوضاع الطبيعية من كوارث و مجاعات و أوبئة.
و هي الأوضاع التي ساعدت نشاط الآباء البيض في عدة مناطق كان من أبرزها منطقة القبائل التي أعد لها لافيجري برنامجا خاصا يضبط النشاط التبشيري في الجزائر بصورة عامة و منطقة القبائل بصورة خاصة ، و الذي تضمن إلى جانب القواعد الواجب إتباعها من طرف المبشرين كذلك ، وضع مجموعة من المؤلفات سهرت الإدارة الاستعمارية على جلبها من فرنسا لتسهيل هذه السياسة الجهنمية ..
و لإضفاء طابع المسيحية على البرامج التعليمية عمد المبشرون إلى اتباع عدة أساليب منها:
.. استخدام نصوص مستخرجة من الإنجيل تلقن لأبناء الأهالي في المدارس
تدريس مادة تاريخ الديانة المسيحية على شكل حصص أصبحت تعرف بمادة التربية المسيحية..
وضع مطبوعة بالعربية خاصة بالتربية الدينية المسيحية على يد الراهب تولوت..
.. إنهاء البرنامج الدراسي اليومي بترتيل أبناء الأهالي لبعض نصوص من الإنجيل

3-قوة الوحدة والارتباط:إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص...

...هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم،لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم..ولكن الله ألف بينهم..إنه عزيز حكيم..

ذابت كل الرؤى والرايات في بوتقة واحدة..وخلف قيادة جماعية حازمة..لأن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج ولا الأفلج..ولأن ضربات الأعداء تزيد الثورة قوة وتلاحما وتراصا...أما النخر الداخلي و تقسيم المقسم وتجزئة المجزء:تنسي وتدهي وتلهي وتنهي..

4-عبقرية الرجال وشجاعة الفرسان:

الجزائر العظيمة الحبيبة ودود ولود...أنجبت الأبطال والشجعان والرجال من أهل الشموخ والعزة والتضحية والوفاء والثبات..من الأمير عبد القادر الجزائري و بوعمامة والأمير خالد ولالة فاطمة نسومر ..إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس..إلى مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي وسي الحواس وعميروش وأحمد زبانة وحسيبة بن بوعلي..

وأقرأ إن شئت شهادات هؤلاء الأبطال الأفذاذ من أهل التحدي والمراغمة والمغايظة:

شهادة العربي بن مهيدي:إننا سننتصر لأنّنا نمثّل قوة المستقبل الزّاهر، و أنتم ستهزمون لأنّكم تريدون وقف عجلة التاريخ الذي سيسحقكم... لأنكم تريدون التشبث بماضي استعماري متعفّن حكم عليه العصر بالزّوال، و لئن متّ فانّ هناك آلاف الجزائريين سيأتون بعدي لمواصلة الكفاح من أجل عقيدتنا و وطننا...

شهادة العقيد سي الحواس:إنني لا أخاف على الجزائر من العدوّ بقدر ما أخاف عليها من الذي يبثه العدوّ،...إننا نحارب بكل سلاح، بالمؤامرات و الدسائس و الأكاذيب و المدافع و القنابل و مع ذلك سنصمد و نمضي و ننتصر بحول الله

واستمع بتركيز وتمعن إلى شهادة أحمد زبانة...لكأنه يتكلم في يوم زفافه في فرح وشموخ وتحدي:أنني مبتهج بأن أكون أوّل من يصعد إلى المقصلة، فبنا أو بدوننا ستحيا الجزائر... ليس من عادتنا أن نطلب، بل من عادتنا أن ننتزع، و سننتزع منكم حريتنا عاجلا أو آجلا..

5-دماء الشهداء: وللحرية الحمراء باب..بكل يد مضرجة يدق

إن تراب الجزائر..معطر بمسك دماء قوافل الشهداء..طاهر بأنفاس أجيال المخلصين المتعاقبة..

إن دماء ملايين الشهداء خلال مسيرة الجهاد هي التي كانت ثمنا للنصر والمجد والعزة والحرية..

إن كلماتنا ستظل كعرائس الشمع فإذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة...

فعلا لقد بقيت ثورة نوفمبر -وبيانها التاريخي السامق المشرق- حية قوية في نفوس كل شعوب العالم...تصنع المقاومة والرفض والانتفاضة والتحرر وتقتبس منها أنوار الصمود والثبات والتضحية والفداء والشهادة...لقد رفعت رأس الجزائر عاليا شامخا عزيزا في كل بقاع الدنيا...

وحينما زار الوفد الجزائري سوريا وغزة...وجدوا ثورة نوفمبر قد سبقتهم هناك:محبة واحتراما ومدحا وشعرا ونثرا وتقديرا واستلهاما وتأثيرا...:

نوفمبر غيرت مجرى الحياة ... وكنت نوفمبر مطلع فجر
وذكرتنا في الجزائربدرا ... فقمنا نضاهي صحابة بدر