الأم والفتاة ...أبعاد غائبة لصداقة واجبة ( 1 -2)
أضحى الحديث عن الواقع الأسري والعلاقة بين الأم، بصفة عامة والأم
السعودية بصفة خاصة، وبين ابنتها شغل شاغل يؤرق الكثيرين في مجتمعنا
السعودي، وازداد هذا الشعور بالقلق مع ما استجد في عصرنا هذا من مستجدات،
تحتم علينا وعلى الأم بالأخص أن تكون هي الملاذ الآمن لابنتها حتى لا
تعصف بها نوائب الدهر ، وقد كُتبت مؤلفات كثيرة ساهم فيها كبار الدعاة
وعلماء الاجتماع وغيرهم، حاولوا فيها تقديم العون والأخذ بيد الأم لتحقق
مبتغاها في أن تكون الصديقة الأقرب والحصن الحصين للفتاة .
وحتى لا يكون هذا الحديث تكرارًا لما سبق وأن كتب وقيل في هذا الموضوع،
نرى تناوله في عدة نقاط عسى أن تكون عونًا في تقديم قليل فائدة في زمن
عزت فيه الفوائد ، وإضافة من جهة ثانية لبعض المستجدات والاجتهادات التي
تخص واقع العلاقة التي تربط بين الأم والفتاة .
الجو الأسري: تحظى الحياة الأسرية بقداسة خاصة وعناية فائقة في ديننا الحنيف، هذه الحياة
التي ترتبط بها أخطر مرحلة من مراحل تكون الشعوب، حيث الأسرة هي اللبنة
الأولى في هذا التكوين، ومن هذا المنطلق أخذت العلاقات بين أفراد الأسرة
حيزًا كبيرًا من فكر علماء التربية والاجتماع وهذا ما نراه واضحًا في
المملكة؛ حيث انتشار المؤسسات الاجتماعية التي تساعد على خلق جو أسري مستقر
وإزالة كافة المعوقات الواقفة في سبيل تحقيق ذلك الاستقرار. والعلاقة
الأكثر خصوصية في هذه المنظومة هي علاقة الأم بالفتاة حيث تمر هذه العلاقة
بمراحل عدة حتى تتبلور في شكلها النهائي والمرجو بإذن الله.
البناءُ الأوليُّ: تبدأ المرحلة الأولى في مد جسور الصداقة بين الأمة والفتاة منذ لحظة
الميلاد حيث تنال الفتاة – وكذلك الولد - قدرًا كبيرًا من العطف والحنان
في مهدها ينبغي ألا يقل عند الكبر وإلا كان نذير خطر كبير لا تأمن عواقبه،
فإذا أحسنت الأم البناء في هذه المرحلة جنت ثمار هذا في المستقبل أمنًا
واطمئنانًا على فتاتها.
أما إذا كانت هذه الأسرة تتكون من أولاد وفتيات فهنا يكون دور الأم أعظم
في توطيد صداقتها مع ابنتها دون إخلالها بباقي الحقوق والواجبات التي
تلزم الآخرين، فنلاحظ أنه تطفو على سطح هذه الحياة الأسرية نوع تنافس
غير معلن لكنه موجود ولا يمكن تجاهله.
مستودع الأسرار: في كثير من الأوقات عندما لا تجد الفتاة ضالتها أو من يساعدها على فهم
الواقع التي تعيشه والذي يجب أن يكون من محيط الأسرة وأعني بذلك الأم وحدها
للعلاقة التي يجب أن تكون بينها وبين ابنتها – تلجأ الفتاة إلى البديل
والذي يكون في هذه الحالة هو الصديقة التي تتقمص الدور الذي كان من
المفترض أن تقوم به الأم فيظهر هنا نوع من الصراع بين الأم بمقتضى موقعها
كأم والصديقة من حيث هي التي تحتل مكان الأم، كلُّ يسعى إلى كسب تعاطف
الفتاة حتى تبوح بالأسرار ، ويظهر ذلك جليًّا في مرحلة المراهقة.
وهنا يظهر ما للصداقة التي نشأت من تأثير كالسحر على الفتيات، فإذا
سلمنا أنه في بعض المجتمعات بل وفي بعض الأوساط السعودية نجد بعض الفتيات
وقد أصبحت علاقتهن بصديقاتهن أقوى بكثير أحيانًا من علاقتهن بأمهاتهن،
اللاتي يكن قد انشغلن عنهن بأمور أخرى، هذا الانشغال الذي يؤدي إلى تفشي
بعض الفتور في العلاقة بين بعض الأمهات وبين بناتهن، وهنا تبحث الفتاة
عن البديل الذي يمثل لها الخلاص والملاذ، البديل الذي يكتنفها بسعة
صدره لينتشلها من همومها ومشاكلها التي تنشأ خلال المرحلة التي تعيشها ,
هذا البديل دائمًا ما يكون من خارج نطاق الأسرة، حيث تتكون بين الفتيات
صداقات وعلاقة حميمة نظرًا لحاجة كثير من الفتيات بحاجة خلال هذه الفترة
إلى من هو قريب من أفكارهن، يتسلل بقربه هذا إلى الأعماق وينال الثقة.
عندما يصل الأمر بالفتاة إلى هذه الدرجة ينبغي على الأم أن تبدأ مرحلة
جديدة.
موضوع: الأم والفتاة ...أبعاد غائبة لصداقة واجبة ( 1 -2) 