الأمومة في حياة النبي ووصاياه

شاطر
 

 الأمومة في حياة النبي ووصاياه

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
العامري

العامري

نوع المتصفح موزيلا

صلي على النبي

صل الله عليه وسلم


الأمومة في حياة النبي ووصاياه Empty
مُساهمةموضوع: الأمومة في حياة النبي ووصاياه   الأمومة في حياة النبي ووصاياه Empty2011-09-28, 19:00


الأمومة في حياة النبي ووصاياه

ونظرة على دورها فِي البناء والتوجيه

محمد أحمد العزب

وحين نودع القرآن لنسير - بعد . . فِي ظلاله المديد . . متلفتين فِي منادح المجتمع الإسلامي العريض فِي محاولة الوقوف على مكانة ( الأم ) فِي مثل هذا المجتمع . . لا نستطيع إلا أن نقف لحظات فِي خشوع وإطراق ، أمام الأمومة الشاهقة العظيمة التي أنجبت ( محمدًا ) والتي استطاعت رغم انعتاقها الوامض من رحلة الزمن ، أن تغرس فيه كل حوافز التصعيد والسموق . . وأن تهبه فِي لحظات زمنية خاطفة ، كل ما يمكن أن تهبه الأمومة الحالية لوليدها من عطف . . ومن حب . . ومن روعة حنان .
ولسنا ندري بعد - ماذا كان يمكن أن يكون . . لو أن محمدًا لم يذق فِي حياته - ولو لفترة زمنية مضغوطة - الحنان فِي صدر أمه الدافئ ؟ أم أن السماء كانت معه على موعد ، حين حرمته هذا الصدر النابض الحنون ، حتى تذكى فِي أعماقه
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 290)
المضيئة قبس الحب لهذه الإنسانة ( الأم ) فيخلدها فِي كل طور من أطوار الزمن . . وفي كل جيل من أجيال التاريخ ؟ إن المتصفح لتاريخ النبوة . . وما كان عليه الرسول فِي هذه المجالات لا يستطيع أمام هذا الطوفان الزاخر من اهتماماته الرائعة بالأمومة إلا أن يرجع بآصرة النسب بينهما إلى وشائج أقوى من وشائج اللحم والدم . . لأن محمدًا لم يرتفع بالحديث عن كائن بشري كما ارتفع به عن الأمومة . . وكأنما كان يمنح فيه من معين لا ينضب ، أو يقتبس فيه من جذوة لا تخبو مع الأيام !
وفي ظلال من رحلة تلمسنا فيها جذور هذه العاطفة ، وأغوار هذا الوجدان ، لا نستطيع أن ننفصل عن حتمية العودة إلى طفولة محمد ، لنرى كيف كانت أمه آمنة بنت وهب إلى جواره ؟ هل كانت نبع عطف ، وغدير إيمان ، فغمرت وليدها البازغ فِي بهاء ذلك العطف ، وصفاء هذا الإيمان ، حتى استحال كيانه كله ، إلى نبضات خافقة بحب الأمومة ، وخلجات هامسة بما لها على الإنسانية من فضل تتضاءل حياله الأفضال ؟ أم ماذا ؟
ها نحن مع مطالع بزوغ هذا الفجر . . مع محمد جنينا فِي بطن أمه . . مع إحساساتها الطافرة نحو هذا الجنين الذي ما زال يغالب التيار فِي ظلمة المجهول . مع حديثها الوامض عن هذه المرحلة من مراحل حملها بالنبي . . قالت لحليمة السعدية ذات يوم : والله ما للشيطان عليه يا حليمة من سبيل وإن لابني هذا لشأنًا . . أفلا أخبرك خبره . . ؟
فهتفت حليمة : أجل . . قولي يا آمنة . .
فانهمرت أم النبي تقول : والله ما رأيت من حمل قط كان أخف من حمله ولا أيسر منه . .
إذًا فالصداقة معقودة بين محمد وأمه حتى قبل أن يعانق محمد أضواء الوجود . .
وحين ولدته يا حليمة وقع وإنه لواضع يديه على الأرض ، رافع رأسه إلى السماء . . أرأيت ؟
إن أم النبي كانت ترى فِي الطفل صورة الرسول . . إن إحساسها العارم بتفوق الوليد الجديد قد أثرى إحساسها النابض بالحب . . وأذكى مشاعرها الأمومية البيضاء . . إلا أننا نجرم فِي جانب الحقيقة حينما نحصر
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 291)
الحديث عن أم النبي فِي هذا الإطار . . إطار المشاعر الحلوة ، والعواطف الدافئة ، والأحاسيس المنهمرة الثرة . . فما أكثر ما تنساب كل هذه الطاقات الهائلة بين الطفل الصاعد وأمه الرائمة . .
فلنثب بالحديث إلى عالم آخر فنتساءل : هل كان لأم النبي دور فِي تربيته وصقله ، وإعداده لما ينتظره من دور على مسرح الوجود ؟
الذي أعرفه أن آمنة أم النبي كانت مثلاً رائعًا للأمومة الحية النابضة . . تعهدت الطفل النبي منذ غضارته ، فحدثته عن أبيه وعن روعة حياته . . كيف كان أملاً مرجى . . وأسطورة فذة للرجولة ، والمجد ، والجمال . . حدثته عن قصة الفداء المذهلة ، وكيف أن عيون قريش كلها كانت تقطر دمًا . . وهي تنظر من بعيد إلى شبح الموت القادم فِي ضوء النهار ليطوي تحت جناحيه الداكنين شباب عبد الله . . وكيف أن هذه العيون الدامعة احتشدت من بعد بالفرحة ، وتألقت بأغاريد الخلاص . .
وما زالت به هكذا حتى السادسة ، تصب فِي أذنيه ملاحم القوة ، وأناشيد البطولة وذكريات الفداء . . حتى استوت للطفل الواعد شخصية تنبئ عن غد رجولي باسل . . وفريد . . وحين شارف هذه السن ، ورأت فيه بوادر النضوج والاكتمال . . أصرت - لأن الدور هكذا يحتم عليها - أن تزور به قبر أبيه . . وتألقت دمعات الفرح على وجنتي الصبي أنه سيرى القبر الذي يرقد فيه الحنان الأعظم . . سيرى قبر أبيه الذي لم يره . . والذي طالما حدثته عن أيامه ولياليه أمه الساهرة على كلاءته . . سيرى أخواله هناك ، فِي يثرب ستتوشج أواصر جديدة بينه وبين طفولات كثيرة . . فليذهب إذًا . . وذهبا . .
وأخذت الأم وليدها لتريه البيت الذي مرض فيه أبوه . . والقبر الذي دفن فيه . وهي بين الفينة والفينة تختلس نظرات نافذة إلى طفلها الساهم ، لعلها تريد أن تقرأ ما يجيش فِي داخله من خيالات . . وما تركته تلك الرحلة فِي أعماقه من انطباعات كل ذلك والفتى ساهم . . واجم . . كأنه يعايش بنظراته الذهلى من ثوى خلف هذا الركام . . أو كأنه يطالع فِي صمت روعة المعجزة التي فجرت من هذا الحفير الدارس المتواضع تاريخًا سيحول التاريخ .
وعادت بمحمد أمه . . وانطلقت القافلة الصغيرة تضرب فِي بطون الأودية وشعاب الجبال . . ولكن الأم ما تزال صامتة . . كأنها خرساء . . إنها تعانق الأفق البعيد بنظرة ولهى . . بينما يذبل الربيع فِي وجهها الغارب شعاعًا من وراء شعاع ! ! وحين تخاذلت ذراعاها عن صدر الفتى المبهور . . تلفت إليها فيما يشبه الروع . . فضمته إليها فِي حنان راعش راعب مقرور . ثم انطلقت فِي خفوت واهن تتمتم : ( كل حي
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 292)
ميت . . وكل جديد بال . . وكل كبير يفنى . . وأنا ميتة . . وذكري باق . . فقد تركت خيرًا . . وولدت طهرًا ) ثم طواها بعد ذلك صمت أبدي رهيب . . !
وحفرت هذه اللحظات الحزينة المتألمة فِي أعماق النبي صورة لا تبهت ، وانطباعًا شاخصًا لا يريم . . فعاش حياته كلها فِي إطار من هذه اللحظات الغائمة ، ترتجف أعماقه كلما خايلته الذكرى ، أو تخالجه ذهول الموقف المحموم . .
وما زال محمد يردد فِي كلماته صدى ما عاش فِي ضميره من عذابات . . فحين يرى دار بني عدي بن النجار بعد الهجرة ينساب فِي ألم يقول : هاهنا نزلت بي أمي . . وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله . . وحين يمر بالأبواء فِي عمرة الحديبية يقول : إن الله أذن لمحمد فِي زيارة قبر أمه فأتاه فأصلحه ، وبكى عنده ، وبكى المسلمون لبكائه ، فقيل له فِي ذلك فقال : ( أدركتني رحمتها فبكيت . . ) .
ويروي عبد الله بن مسعود : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا وخرجنا معه ، حتى انتهينا إلى المقابر ، فأمرنا فجلسنا ، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها ، فجلس إليه فناجاه طويلاً ، ثم ارتفع صوته ينتحب باكيًا ! فبكينا لبكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أن رسول الله أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : ما الذي أبكاك يا رسول الله فقد أبكانا وأفزعنا ؟ فأخذ بيد عمر ، ثم أومأ إلينا فأتيناه ، فقال : ( أفزعكم بكائي ؟ قلنا : نعم يا رسول الله . . فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا . . ثم قال : إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر أمي آمنة بنت وهب . . وإني استأذنت ربي فِي زيارتها فأذن لي . . ! .
وكما كان محمد يقدس الأمومة فِي أمه . . فكذلك كان فِي موقفه من كل الأمومات لقد انعكس حبه الغامر لأمه الراحلة . . على كل أم فِي هذا الوجود . . فدأب على توعية الملايين بما للأمومة من حرمة ، وما لمكانتها من جلال . . يتألق ذلك فِي تكريمه الموصول لمرضعته ( ثويبة ) مولاة أبي لهب . . فكان يصلها وهو بمكة . . فلما هاجر إلى المدينة كان يبعث إليها بصلة وكسوة . . إلى أن ماتت ، فلما دخل مكة ظافرًا لم تنسه نشوة النصر أن يسأل ما فعل ابنها مسروح ؟
وكذلك كان تكريمه لحاضنته ( أم أيمن ) التي رافقته وأمه إلى يثرب . . وكان إذا رآها قال : هي أمي . . بعد أمي . . .
ولما ماتت فاطمة . . أم علي بن أبي طالب . . ألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها فقال له أصحابه : ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بها ؟ فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها . . إني إنما ألبستها قميصي لتكسى حلل الجنة . . واضطجعت معها فِي قبرها ليهون عليها . . .
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 293)
وكان حين يرى ( حليمة ) المرضعة . . يتلقاها هاتفًا : " أمي أمي " . . ويفرش لها رداءه ويمس ثدييها بيديه . كأنه يتذكر فيها غضارة العمر ، وبواكير الحياة . .
وحين تجيش فِي صدره الذكرى يجمجم : لو أدركت والدي أو أحدهما وأنا فِي صلاة العشاء وقد قرأت فاتحة الكتاب . . تنادي يا محمد . . لأجبتها : لبيك . . ) .
سأله صحابي : من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله ؟ قال : " أمك " . . قال : ثم من ؟ قال : " أمك " . . قال : ثم من ؟ قال : " أمك " . . قال : ثم من ؟ قال : " أبوك
وجاءه رجل يقول : يا رسول الله ، إن لي أمًّا عجوزًا أحملها على عاتقي كل يوم وأطوف بها حول البيت . أفأكون بذلك وفيتها حقها ؟ فيقول له النبي : " لا . . ولا بزفرة واحدة . . إنها حملتك وهي ترجو حياتك . . وأنت حملتها . . وتنتظر رحيلها ! .
وحين يستأذنه رجل فِي الجهاد يسأله النبي : " أحية أمك ؟ " فيقول الرجل : نعم . . فيقول له : " اذهب فجاهد فِي برها " . . فيعاود الرجل الإلحاح فيقول له النبي : " ويحك . . الزم رجلها فثم الجنة .
وتروي لنا أسماء بنت أبي بكر فتقول : قدمت علي أمي وهي مشركة فِي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته قلت : قدمت على أمي وهي راغبة . أفأصلها ؟ قال : نعم . . صلي أمك يا أسماء
ويحذر النبي من تعريض الأمومة للون من ألوان الهوان . . أو المهاترة . . أو السباب . . فيقول : إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قيل : وهل يلعن الرجل والديه يا رسول الله ؟ قال : " نعم . . يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه ! " .
وهكذا نجد أن الأمومة قد استوعبت فِي حديث النبي كل هذه الأبعاد المترامية ، مما يؤكد لنا أن لها فِي أعماقه . . وتعاليمه جميعًا . . مكانًا يشبه الواحة الخضراء . . تتموج فيه الظلال المرهفة . . وتتناغى على حوافيها الزهور الوادعة . . وتأتلق فِي كل أرجائها روح الربيع الأخضر الجذلان .
وهكذا يسلمنا النبي مفاتيح البر بهذه الأمومة البرة . . حتى لا نستحيل فِي حياتنا الصاخبة إلى قطيع ذاهل منكود . . لا تربطه إلى أعماق حياته الواثبة وشيجة من عاطفة ولا سبب من أسباب البنوة البيضاء . . ولكن . . إذا كانت هذه مضامين الهتافات العالية الجريئة التي أطلقها محمد رسول الله فِي طريقه إلى دعم مكانة الأمومة ، وتكريم دورها الخطير . . فما هي رسالة الأمومة فِي الحياة ؟
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 294)
هل هي مجرد وعاء لحمى يستوعب بذور الخلق ليقذفها بعد آماد محدودة إلى عالم الوجود ؟ أم هي مخلوق عاجز مشلول استقر كل هذا الحنان الصيب من قلب الرسول فجاش حيًّا نابضًا فِي كلماته ؟ أم تراها مصدر إشعاع روحي خطير إلى جوار كونها مصدر إشعاع وجودي أصيل ؟
الذي أعرفه . . أن الأمومة لو كانت مجرد وعاء لحمي ، أو مجرد قوة مشلولة تستأهل العطف . . لكانت فِي موازين الحياة أخف وزنًا مما هي الآن . . فما أكثر ما نشاهد من حشرات . . أو دواب . . أهلتها طبيعتها المؤنثة لكي تصير أمًّا تهب الوجود خلقًا جديدًا .
إن الأمومة قد تبوأت هذه القمة لأن لها دورًا . . إنها صاحبة دور من أخطر أدوار البناء والتوجيه فِي حياة المجتمع . . فعلى قدر ما تبذل . . وتبني . . وتسدد . . نجل فيها مصدر العطاء وسبب الوجود . . وبمقدار ما تتخلى عن هذا الدور أو تنتكس . . ننغض إليها الرأس احتقارًا ونشيج عنها بالأعين ازورارًا .
ألست معي فِي أن أمًا كأسماء بنت أبي بكر . . تعدل ملايين الأمهات ممن يقبعن داخل جدران بيوتهن . . يغزلن فِي قطن خائر رخو . . أو يجدفن فِي أمواج متلاطمة من دماء الأعراض والحرمات ؟ إن هذه أم . . وتلك أم . . بحتمية التقائهما فِي إطار الإنجاب . . ولكن ما أوسع البون بينهما فِي مجالات الموازنة أو المقارنة ، أو المضاهاة . . إن أسماء بنت أبي بكر . . أم عرفت حقيقة دورها فِي الحياة . . فدفعت بابنها الباسل عبد الله بن الزبير على خشبة الصلب ، غير عابئة بثكل يقترب . . أو خطب يدمدم ، أو إعسار أسى ينوح ! ! وحين تلمح بوادر التردد تزحف على جبين عبد الله من خلال كلماته : يا أمي . . إني خائف أن يمثلوا بي بعد القتل ! تنتفض فِي أمومة فدائية بطلة ، تعتصر جراحها بيديها وهي تقول : امض على بركة الله يا بني . . فإن الشاة لا يضرها بعد الذبح أن تسلخ ، فتحضأ بكلماتها نار الإقدام فِي أعماق الفارس المصلوب فيمضي إلى القتل . . كأنه ماض إلى موعد بسام .
وحين تطول بابنها ضراوة الصلب . . لا تقعي . . ولا تتهالك . . وإنما تمضي على طريقها الباسل بخطوات فيها تحد . . وفيها كبرياء . . ولا تزيد حين تنظر إليه على أن تغلف كلماتها بالسخرية ممن صلبوه فتقول : ها . . قولوا للحجاج . . أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟ !
لبيك من كل أعماقنا يا أسماء . . إننا أبناؤك وإن عز البديل عن عبد الله . . إننا أبناء كلماتك الشجاعة الفذة . . أبناء أمومتك الفدائية البطلة . . التي تتحرق إلى أمثالها شوقًا أعماق الوجود ! !
ومن هنا . . ومن نقطة انطلاقنا هذه . . نستطيع أن نلمح فِي إضاءة كاشفة نظرة الإسلام إلى الأمومة . . إنه يكرم فِي الأمومة قلبها النابض بالحب . . وعقلها الخافق بالمعرفة . . وجسدها المتأبي على نداءات الحضيض . . إنه يكرم فيها الأم . . والمدرسة . . والكيان المستعلي فِي كبرياء ذاتي نبيل .
وحين تتحقق للأمومة هذه الأقانيم . . أعني قلبها النابض . . وعقلها الخافق . . وجسدها الكبريائي . .
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 295)
فإنها لا محالة مؤدية دورها على أكمل وجه . . وأبدع الأنساق .
إنها ستنشر من حولها ظلال الحب الوارفة فتنشأ الطفولة فِي حصنها أليفة متعادلة لا تلوي بها عقد النقص . . ولا يعصف بكيانها شعور لاهب بالحرمان .
إنها ستضيء عقول أبنائها بمشاعل النور والمعرفة . فلا يتخبطون فِي أغوار الجهالة ولا يزحفون على بطونهم فِي سفوح الفراغ .
إنها ستلقنهم - فِي أسلوب عملي - قضية نظافة الجسد . . فلا يدمرونه فِي وهدة القاع ، ولا يمزقونه على مذبح اشتهاء جنسي رخيص .
وهل تستطيع الأمومة أن تؤدي هذا الدور . . أو تنهض بهذه الأعباء . . ما لم يكن لها من دينها . . وبيئتها . . ومجتمعها . . وأنماط السلوك فِي عالمها . . حافز . . وموجه . . ومنير ؟
الذي أعرفه . . أن الإسلام كدين . . وكطراز حياة . . عني فِي تعاطف جم بهذه الأبعاد المضيئة فِي حياة الأمومة . . إنه علمها كيف تحب أبناءها . . براعيم الحياة . . فِي قصد معتدل . . وفي غير إسراف . . إن الحب المسرف قاتل من غير شك . . تمامًا كالدواء المسرف ، إنه يقتل الأحياء . . ومن هنا فقد حرص الإسلام على تعميق هذه الفكرة . . وإثراء هذا الاتجاه فِي وجدان الأمهات . . حتى لا ينقلب الحب إلى لون حاطم من ألوان التدليل الوبيل .
لقد أباح أن تضرب الأم طفلها إذا انحرف . . واستعصى انحرافه على التوجيه الهادئ . . واللوم الخفيف .

فقســا ليزدجــروا . . ومــن يــك حازمــا فليقس أحيانًــــا علــــى مــــن يرحــــم

ثم ماذا تستطيع الأمومة الجاهلة أن تفعله ؟ هل تستطيع أن تربي جيلاً من الأجيال ظامئًا إلى المعرفة . . متشوقًا إلى آفاق الحرية والتطلع . . والنور . . ؟ إن فاقد الشيء لا يستطيع أن يهبه . . ومن هنا فقد أطلق الإسلام للمرأة جناحيها تحلق بهما فِي فضاء المعرفة اللانهائي . . حتى تؤهلها طبيعتها المتعلمة الواعية لتؤدي دورها كأم . . وكأم مثقفة . . ناضجة . . مكتملة النضوج تزرع فِي أعماق أطفالها روح النزوع الواثب الفاهم العملاق .
ثم . . من هي الأم التي فقدت جسدها كأنثى . . وعرضته سلعة رخيصة فِي سوق النخاسات ؟ هل تستطيع مثل هذه الأم أن تنبت جيلاً يؤمن بعزته . . وبوطنيته . . وبأنه منحدر من أصلاب مجتمع نظيف ؟ أبدًا . .
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 296)
فالتي فقدت نفسها لا تستطيع أن تعثر على أنفس الغير . . والتي تهون فِي مخادع الليل المريضة الصفراء . . لا يمكن أن تضيء كفها شعلة ولا أن تدفئ أنفاسها رعشة . . ولا أن ترعرع أحضانها طفلاً يريد أن يعانق على الطهر أحضان الحياة !
ومن هنا كان الإسلام ثورة عاتية . . وعارمة . . على كل أنماط الأمومات الرخيصة التي تبيع الهوى . . وتنجر فِي بضاعة الأعراض . . إنه يؤمن بالنظافة الجسدية إيمانه بالنظافة الروحية . . حتى تستحيل الأم - فِي مفهوم أطفالها إلى مثل أعلى وإلى نموذج كريم . . فيشبون على خلق الطهر . . وتستقيم خطواتهم على طريق النبالة .
وهكذا . . نجد أن الأمومة هي المدرسة الأولى التي تتلقف أحضانها البراعم الخضراء . . فتشكلها على نحو أو آخر . . ولذلك . . فإن عناية الإسلام بها من هذه الزاوية . . هي فِي الواقع عناية بحقيقة الدور الذي تؤديه . . مما يؤكد لنا أن الأمومة رسالة قبل أن تكون وعاء لحميًّا . . ودور قبل أن تكون كيانًا مستوجب الرحمة . . وحركة بناءة قبل أن تكون شيئًا يفيض بمجرد الحنان .
ولكني فِي غمار الحديث عن الأمومة فِي الإسلام كدت أنسى أن البحث ليس محصورًا فِي هذا الصدد . . وليس عائشًا فحسب فِي هذا الإطار .
إن الحديث عن الطفولة يشكل جانبًا من جوانب هذا البحث . . فلأترك الأمومة الآن - على كره مني - لأتحدث عن الطفولة فِي الإسلام .


مجلة البحوث الإسلامية

تصفح برقم المجلد > العدد الثالث - الإصدار : من رجب إلى ذو الحجة لسنة 1397هـ > البحوث > أبحاث أخرى > الأمومة في حياة النبي ووصاياه ونظرة على دورها في البناء والتوجيه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
AZER16

AZER16

نوع المتصفح موزيلا

صلي على النبي

صل الله عليه وسلم


انجازاتي
لايتوفر على اوسمة بعد:  

الأمومة في حياة النبي ووصاياه Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمومة في حياة النبي ووصاياه   الأمومة في حياة النبي ووصاياه Empty2011-09-28, 20:56

جزاك الله كل الخير
وجعله في ميزان اعمالك
ونفع بك وكل الود والتقدير لشخصك الكريم
ولا حرمنا الله جديدك
في امان الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأمومة في حياة النبي ووصاياه
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خلق الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
» دموع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
» دموع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
» الأنـوار في سيرة النبي المختــار ( 128سؤال وجواب عن حياة خير البشر)((زهور المنتدى))
» لمحات من حياة النبي..."اخلاق الحبيب"...

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة سيدي عامر :: المنتديات العامه :: المنتدى العام :: إسلام أون لاين :: السيرة النبوية-
انتقل الى: