منزلة الدعوة إلى الله:
لا
شكَّ أن الدعوة إلى الله لها مرتبة عظيمة في شريعة الله، ومن المهم أن
نعلم أن الله إذا صدّر الأمر بالقول إلى محمدٍ رسول الله صلى الله عليه
وسلّم؛ فإن ذلك يقتضي عناية خاصة فيما وقع فيه هذا القول،
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم: {قُلْ
هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[108]}[سورة
يوسف]. فالنبي صلى الله عليه وسلّم، كإخوانه من سائر النبيين والمرسلين،
تبوءوا هذا المقام العظيم، وهو مقام الدعوة إلى الله لكنها دعوة على
بصيرة، ولابد من هذه البصائر الثلاث:البصيرة فيما يدعون إليه، والبصيرة في
حال المدعو، والبصيرة في أسلوب الدعوة، وإذا تمت هذه الأمور الثلاثة؛ صارت
الدعوة دعوة محمد صلى الله عليه وسلّم، وإذا اختل منها واحد؛ نقص من
كمالها بقدر ما اختل من هذه الأمور الثلاثة، يقول تعالى في هذه الآية: {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
من خصائص الداعية:
1- البصيرة بحال المدعو:فكل
من اتبع النبي صلى الله عليه وسلّم فإنه لابد أن يكون داعية إلى الله،
بحاله ومقاله، ولابُدَّ أن يكون أيضًا داعية إلى الله على بصيرة بحال من
يدعوهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذًا إلى اليمن، قال
له: ]إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ]رواه
البخاري ومسلم. وأخبره بحالهم؛ ليكون مستعدًّا لملاقاتهم حتى ينزل كل
إنسان منزلته، ولا ريب أنَّ كل عاقل يعلم الفرق بين دعوة الجاهل، ودعوة
المعاند؛ ولهذا قال تعالى: { وَلَا
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ
إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[46]}[سورة العنكبوت].فالذين ظلموا لا نجادلهم بالتي هي أحسن، وإنما نجادلهم بما يليق بحالهم، وظلمهم.
2- البصيرة بأسلوب الدعوة:ولابُدَّ
أن يكون الداعية عالمًا بأسلوب الدعوة، وكيف يدعو الناس وهذا أمرٌ مهم
جدًّا، بالنسبة للدُّعاة: كيف يدعون الناس؟ هل يدعون الناس بالعنف،
والشدِّة، والقدح فيما هم عليه، وسب ما ينتهجونه؟! أو يدعون الناس باللين
والرفق، وتحسين ما يدعونهم إليه دون أن يقبوحهم فيما هم عليه من منهج
وسلوك؟
ننظر.. ماذا يقول الله لجميع المؤمنين:{وَلَا
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ
عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ[108]}[سورة الأنعام]. ونحن نعلم أن سب آلهة المشركين أمرٌ مطلوب؛ لأنها آلهة باطلة، وسبّ
الباطل، وبيان منزلته للناس أمرٌ مطلوب لابد منه ولكن إذا كان يترتب على
ذلك مفسدة أكبر، مع إمكان زوال الباطل بدون هذه المفسدة، فإن الله يقول: {
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ
.}. ومعلوم أنهم إذا سبُّوا الله، فإنهم يسبونه عدوًا بغير علم، بل نعلم
أن الله عزَّ وجلَّ منزه عن كل عيب، ونحن إذا سببنا آلهتهم، فقد سببناها
بحق، ومع ذلك نهى الله عزَّ وجلَّ عن هذا الحقِّ؛ خوفًا من هذا الباطل
العادي؛ لأنه شر.
وبناءً على ذلك: فإذا رأى الداعية شخصًا<