وأذكر ها هنا بعض القواعد الشرعية المشهورة التي تعين على تصور وضع المقاومة في العراق ومن ثم يمكن الحكم على ما يجري حكماً واضحاً.
أولاً : جاء الشرع بالمحافظة على أمور تمس الناس مساساً مباشراً وسماها بالضرورات الخمس ، وهي المحافظة على الدين والنفس والعقل والعرض والمال ، ودعا لمقاومة كل من يريد الاعتداء عليها ولو وصلت المقاومة إلى القتال والقتلى، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) ، ودفع العدو الصائل المعتدي مشهور حكمه في الشرع المطهر وأنه يدفع ولو أدى إلى قتله ، وهذا حكم الصائل المسلم فيكف بالصائل الكافر ؟ وهؤلاء الصليبيون المتصهينون جاؤوا ليستولوا على المال ، ولينصروا عقيدتهم الباطلة ، وليشيعوا الفساد بدعوى الحرية والديمقراطية - وما أفغانستان عنا ببعيد – فماذا بقي من هذه الضرورات الخمس التي أمر الشارع بالمحافظة عليها ودفع من أراد الاعتداء عليها ولو أدى ذلك إلى قتله ؟ ومتى يقف المسلمون في وجه عدوهم إن لم يقفوا في مثل هذه الحالة العراقية ؟ هذا ونرى اليوم بوادر الاستيلاء على النفط في جنوب العراق ، ونسمع التهديد لعدد من الدول الإسلامية بأنه سيكون لهؤلاء الصليبيين المتصهينين موقف منهم بعد الفراغ من العراق ، ونسمع ثناء عطراً منهم على دولة إخوان القدرة والخنازير ، وهذا كله يوضح المراد من هذه الحملة الظالمة المعتدية ، فليس للمسلمين بعد هذا كله إلا القتال ودفع هؤلاء بكل ما أوتوا من قوة قبل أن يتمكنوا من الدين والأرض والعرض – لا قدر الله – وساعتها لا ينفع الندم ، ولا يجدي التراجع.
ثانياً : بعض الناس يردد مقولة باطلة ليصد عن جهاد الصليبيين المتصهينين فيقول : إن الراية التي يقاتل الناس تحتها العراق راية عمية جاهلية ، وهي راية حزب البعث العربي الاشتراكي المعروف ببعده عن الإسلام ، لذلك لا يطلق على من يقاوم الأمريكان تحت هذه الراية أنهم مجاهدون ولا من مات منهم أنهم شهداء ، والرد على هذا يتلخص في أن الفقهاء رحمهم الله تعالى فرقوا بين نوعين من الجهاد : جهاد الدفع وجهاد الطلب ، فجهاد الدفع يكون إذا نزل العدو بلاد المسلمين فوجب على أهل البلد دفعهم ، وأما جهاد الطلب فيكون إذا ما استنفر الإمام الناس للجهاد خارج حدود البلاد الإسلامية ، وهذا النوع من الجهاد لا بد فيه من صفاء المقصد ونقاء الراية ، أما جهاد الدفع فلا يشترط فيه هذا بل إذا نزل العدو بلداً فإنه يجب على أهل البلد صده ودفعه ولو كان المتولي عليهم والقائد لهم فاسقاً أو كافراً أو دعا إلى القتال عصيبة وحمية فإن هذا لا يؤثر في وجوب دفع الأعداء والتصدي لهم ، وهذا ما ينطبق تمام الانطباق على الحالة العراقية اليوم.
ثم إنه قد كثرت النداءات من قيادات عراقية بالجهاد في سبيل الله ونادوا صراحة بطرد المعتدي الصليبي المتصهين دفاعاً عن الدين والحرمات والأرض والعرض ، ونحن لسنا مأمورين بالتنقيب عن نياتهم بل يكفينا ظاهر حالهم.
هذا وقد نزل العدو بلاء المسلمين مراراً كثيرة في التاريخ ، وحاصر بلاداً حكامها فجرة وفسقة خونة وربما مبتدعة ضلالاً لا يعرفون جهاداً ولا يرفعون بالشريعة رأساً مع ذلك كان الفقهاء يندبون الناس للجهاد ولم يطالبوهم بمعرفة الرايات وتمحيصها ، وهذا لأن البلاء الحاصل بنزول الكافرين وأخذهم البلاد وإذلالهم العباد أكبر بكثير من البلاد الحاصل بهؤلاء الحكام.
ثالثاً : الذين أفتوا بأن القتال في العراق ليس جهاداً أو الذين تكلموا بغير علم ولا هدى ولا فقه من العوام من الصحفيين والإخباريين والمحللين ماذا يريدون ؟ ولماذا يخذلون ؟ وما هو البديل ؟ وهل يقول عاقل – بغض النظر عن فتوى الفريقين – بترك بلاد المسلمين لهؤلاء الصليبين المتصهينين يعيثون فيها الفساد ويستولون على خيراتها وثرواتها ، ويجعلونها معبراً لغيرها من البلاد الإسلامية التي ابتدأوا يهددونها من الآن مثل سورية ؟ وأي فقه هذا الذي يجيز لهؤلاء التمكن في بلاد الإسلام ، وكل الذي جاؤوا به أن صداماً وحزبه ظلمة ، سبحان الله كيف هذا وأكثر بلاد المسلمين فيها ظلمة متغلبون وفجرة متحكمون فهل نسلم البلاد إلى الصليبيين واحدة تلو الأخرى بهذه الحجة،أفيقوا يا قوم فقد طال سباتكم ، وعظم بعدكم عن قواعد الشرع في هذه المسألة العظيمة ، التي لا ينبغي أن يتصدى لها كل أحد.
رابعاً : إن السواد الأعظم اليوم من الفقهاء المعتبرين والعلماء الراسخين والدعاة والمشهورين يرون أن ما يجري على أرض العراق من مقاومة إنما هو جهاد في سبيل الله لمن حسنت نيته ، وقام غيرة على دين الله وغيرة على بلاد الإسلام وأعراض المسلمين بقطع النظر عن قضية الراية ومع من يجاهد كما بينت في النقطة الثانية ، وهؤلاء لا يجتمعون على ضلالة ولا يصدرون عن هوى ولا تشهي ولا تشفي بل هم علماء نحسن الظن بهم ونجلهم ونجل فتواهم فينبغي والحالة هذه الأخذ بأقوال الأغلب الأكثر من علماء المسلمين وترك ما سواها ، وبعد هذا كله لا ينبغي أن يشكك مشكك فيما يجري على أرض العراق من مقاومة وأنه جهاد في سبيل الله لمن حسنت نيته وصفا عمله وقاتل ليدفع الصليبيين المتصهينين أرض العراق الحبيبة ومن قتل بعد ذلك فهو شهيد إن شاء الله تعالى.