2. مقاربة التعلم القائم على المشكلات:
إن أسلوب التدريس المعتمد على المحاضرة، يكاد لا يترك مجالا لمبادرة الطالب ولاستقلاليته في التعلم، والبحث الوثائقي والتواصل أو التحليل، ومهارات أخرى كثيرة يبقى الطالب معزولا عن اكتسابها. ولذلك فالمقاربة بالمشكلات، وخاصة التعلم بالمشكلات (Apprentissage Par Problèmes)، يمكنها أن تتجاوز هذه الفجوات في التعلم.
في الجامعات التي تعتمد هذه الطريقة في التدريس، تجد المكتبة نفسها "حاضنة" للعملية التعليمية وأول برنامج تذكره الأدبيات كان في جامعة ماك ماستر بكندا سنة 1980[31]. وهذا الأسلوب مستعمل عموما للتكوين في المجالات الطبية وعلوم البيطرة في أمريكا الشمالية وأوربا الغربية بحيث يكون التركيز على تعلم الطالب واستيعابه.
وملخص أسلوب "التعلم المرتكز على المشكلات"، أن تطرح مشكلة معينة لحلها خلال أسبوع على فوج مكون من عشرة طلبة مرافقين بمشرف، يجتمع الفوج ساعتين بمعدل مرتين في الأسبوع بحيث يقومون بإعداد عروض وأعمال موجهة وقراءات في المكتبة طيلة الأسبوع، بعدما يكونون قد استفادوا من تكوين على استعمال مصادر المكتبة كأول حصة.
ويهدف تطبيق هذا الأسلوب في التعليم، إلى تحقيق ما يلي[32]:
· تشجيع الاستقلالية في التعلم؛
· تطوير استراتيجيات فعالة للبحث الوثائقي؛
· تحسين القدرة على حل المشكلات المعقدة المتصلة بالواقع؛
· تعلم العمل الجماعي بفعالية؛
· تطوير مهارات التواصل؛
· تحسين نقل وتكامل المعارف؛
· تزويد الطالب بمهارات التفكير وحل المشكلات
· تسهيل اكتساب المعارف وحفظها والاستعمال الجيد لها؛
· الزيادة من الاهتمام الباطني بالمجال المدرس، وكذا تحفيز الطلبة على التعلم.
إن التحكم في عمليات البحث والتحليل والتركيب يتطلب النظرية والتطبيق. ففي تعليم مركز فقط على المحاضرات، هذه العمليات يقوم بها الأستاذ، بينما في مختلف أساليب المقاربة بالمشكلات، ينطلق الطالب من البداية بالتدرب على تحديد المشكلة بنفسه، بالبحث عن المعلومات وحوصلتها، والتعريف بالظواهر محل الدراسة، والإحاطة بأسئلة الدراسة وإيجاد الفرضيات لتفسيرها عقلانيا والبحث بنفسه عن المعلومات الضرورية.
إن هذه المقاربة أقرب ما تكون لما يقوم به الباحث العلمي، فهي تصر على الاستكشاف والتحليل. فمن خلال هذا الأسلوب يقيم الطالب المنهج العلمي للبحث، فهو يقوم بتحديد المشكلة والفرضيات، وجمع البيانات وتحليلها واستخلاص النتائـج. كما يمكن أن يتبع مسار الملاحظة الفرضية، التجربة، النتائج والتفسيرات والخلاصة لما يكون في إطار موضوع تجريبي.
3. مقاربة التعلم القائم على التحقيق:
تقول المقولة الانجليزية الشهيرة "Tell me and I forget, show me and I may remember, involve me and I’ll understand." مما يعني أن الاندماج في موضوع معين والبحث فيه والاستقصاء عن مختلف جزئياته له أثر كبير في تكوين الثقافة العلمية للفرد.
تقوم هذه المقاربة على استثارة معينة مصدرها التساؤل أو الشك، ليبدأ الطالب مسيرة البحث عن ما يغطي ذلك النقص المعرفي والتحقق من المعلومات من خلال تجريب مختلف الوسائل والأدوات المتاحة في المكتبة، واستنتاج كيفية التعامل معها والبدائل المتوفرة للوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه.
لأنه لا يمكن أن يتقن الطالب البحث عن المعلومات ما لم يكن في حالة بحث حقيقية وواقعية بحيث يتأهب ويستعد للكشف عن الغموض الذي يعتري الموضوع، ومحاولة كشف العلاقات التي تربط بين عناصره. إن الأهم في تعليم منهجية البحث عن المعلومات ليس المعطيات والتوجيهات التي تقدم للطلبة بقدر ما هو مهم تعلم كيفية تطبيقها واستعمالها لسد الاحتياجات اليومية سواء كانت ذات صبغة علمية أو غير ذلك.
إن أنجع المناهج التعليمية في استثارة اهتمام الطلبة وكسب رغبتهم في التعلم، استبدال أسلوب التلقين والحفظ الآلي بتدريب الطلبة على البحث عن المعلومات الضرورية، وإعمال فكرهم، وإبداع أساليب جديدة في اكتساب المعارف وفهمها، من خلال البحث داخل المكتبة والاطلاع على مختلف مصادر المعلومات التي تعالج الموضوع المطروح في الدرس. ومساهمة كل الطلبة في مناقشته وطرح التصورات والمستجدات التي وصلوا لها. فهذا الأسلوب يعد "ثورة على طريقة التعليم التقليدي، إن تردد الطلبة على المكتبة واطلاعهم على المراجع المختلفة من شأنه أن يزيد من معلوماتهم"[33]. ويقـوي قدراتهم على الملاحظة والتحليل والنقد، وكلها من القدرات التي تنشط الإبداع لديهم واكتشاف الجديد.
« Il ne peut y avoir un enseignement efficace qu’à la condition que l’élève puisse exprimer ses ignorances, ses incomprehentions, ses representations mentales fausses, ses préjugés en toute securite.[34] »
4. مقاربة التعلم القائم على المصادر:
يقوم هذا الاتجاه على تجميع وتركيز الموارد المعلوماتية، التكنولوجية والحاسوبية (كالكتب الدوريات، المنشورات وبرامج التعليم عن بعد) في مكان واحد من أجل تأطير الطالب. وفي أمريكا الشمالية تسمى تلك الورشات بملتقيات طرق المعلومات والتعلم[35] وهي موجودة في المكتبات الجامعية ويعد هذا التنظيم تركيز لدور المكتبة والمكتبيين على احتياجات المتعلم، وتوفر له كل الوسائل التي يحتاجها (مصادر بيداغوجية).
وهذا لا يعتبر ثورة تقنية وإنما تطور كبير في العقليات، حيث يسمح لمختلف العاملين بالجامعة من العمل معا، وبالتالي فوفقا لمقاربة التعلم القائم على المصادر المعلوماتية:
§ يسمح للطلبة بالاطلاع على كل مصادر المكتبة؛
§ يوضع في متناولهم معدات مكتبية وفضاءات للعمل من أجل: إعداد وتحرير وحفظ وطبع أعمالهم وكذا إعداد عروضهم الشفوية باستعمال بنوك الصور والماسحات الضوئية.
§ يسمح بالوصول إلى كل الأدوات التعليمية التي ينتجها الأساتذة، أو غيرهم في محيط الجامعة كالأقراص البصرية، صفحات الواب والمحاضرات الكترونية...الخ
§ يسمح بالتصوير طبق الأصل وطباعة الوثائق لأغراض البحث والدراسة.
§ توفير ورشات للتكوين الوثائقي، كما يسمح للطلبة المكونين بتكوين الطلبة الجدد.
§ يسمح طلب واسترجاع الوثائق من خلال مختلف خدمات الإعارة وتوصيل الوثائق بين المكتبات.
§ يقدم المساعدة المنتظمة والمشخصة لدعم الطلبة في عملية تعلمهم.
نموذج: مصلحة التكوين على المعلومة العلمية والتقنية FORMIST:
هي مصلحة تكوينية تم إنشاؤها سنة 1999 على مستوى المدرسة الوطنية العليا لعلوم المعلومات والمكتبات « ENSSIB » لتجميع وتقييم المصادر البيداغوجية للتكوين على المعلومات، والتي كانت نادرة في ذلك الوقت، وموقعه على الواب هو . http://www.enssib.fr/formist
تطور FORMIST: لقد أحدث التطور السريع للمصادر الرقمية، وعيا عاما بضرورة التكوين على التحكم في المعلومات، ومحو الأمية المعلوماتية « Information Literacy »، حيث تقوم هذه المصلحة بدور المرجعية، من خلال الإعلان عن التقارير أو الوثائق المودعة بها من خلال موقع SIBEL والمكتبة رقمية. كما أن FORMIST تمثل المرجعية للموارد التعليمية في موقع InfolitGlobal وذلك من خلال تزويدهم بالبيانات البيبليوغرافية والنصوص الكاملة للبرامج والرزنامات التكوينية وإعطاء المزيد من الأضواء على الإنتاجات الفرنسية.
توفر مختلف المستجدات التعليمية والمعلومات في مجال التكوين على البحث عن المعلومات العلمية والتقنية على صفحة الموارد "Ressource" من خلال الموقع:
وتطور دورFORMIST كناشر، والذي بدأته بالنشر السنوي لدليل: REPERE الذي يوزع على الطلبة وهو دليل شامل لمنهجية البحث الوثائقي وطرقه وأساليبه ومصادر المعلومات وكيفية التعامل معها. كما أنها تعمل حاليا على إضافة الكتب المطبوعة من خلال منشورات enssib. وتواصل القيام بـRencontres FORMIST، وهي لقاءات للتكوين على المعلومات تجرى في منتصف شهر جوان سنويا.
ولـFORMIST تغطية وطنية، حيث يوجد في المستويات المحلية للتكوين على المعلومات:
- المصالح المشتركة للتوثيق(SCD): توجد بكل جامعة، حيث تنفذ برامج تدريبية في المقررات الدراسية الجامعية؛
- وحدات جهوية للتكوين على المعلومات العلمية والتقنية (URFIST) وتقوم بإعداد المواد والمصادر البيداغوجية.
5. مقاربة التعلم الجماعي والمشترك:
التعلم التعاوني هو وسيلة للتعليم والتعلم، حيث يقوم على تشكيل فرق أو مجموعات من الطلبة بإشراف من المكتبي أو الأستاذ لاستكشاف مسألة هامة أو إنشاء مشاريع دراسية. حيث يمكن أن تتشكل مجموعة من الطلبة لمناقشة محاضرة، أو إعداد بحث. كما يمكن أن تتشكل مجموعات طلبة من مدارس مختلفة تعمل معا عبر شبكة الإنترنت في مهمة مشتركة .
من أجل تهيئة بيئة التعلم الجماعي، هناك ثلاثة أشياء ينبغي توفرها: أولا، يتعين على الطلاب الشعور بالأمان ضمن المجموعة، وبالتحدي في نفس الوقت. الثانية، أن تكون الجماعات صغيرة حتى يستطيع الجميع المساهمة فيها. الثالثة، يكون الطلبة على فهم ودراية بالمهمة التي ينبغي أداؤها داخل المجموعة.
وتحظى مقاربة التعلم التعاوني بمجموعة من الخصائص هي:
§ مشاركة المتعلمين بشكل نشيط ؛
§ تبادل الأدوار، حيث يصبح المعلمون متعلمين في بعض الأحيان، والمتعلمين يعلمون أحيانا؛
§ إيلاء الاحترام لكل عضو؛
§ إثارة المشاريع والأسئلة لاهتمام وتحدي الطلاب؛
§ الاهتمام بالتنوع وتشجيعه، مع إعطاء قيمة لكل المشاركات؛
§ تعلم الطلاب مهارات حل النزاعات عند نشوئها؛
§ يستفيد الأعضاء من الخبرات والمعارف السابقة؛
§ تحديد الأهداف بوضوح، وتتخذ كدليل للعمل؛
§ استعمال أدوات البحث، مثل إتاحة الوصول إلى الإنترنت؛
§ استثمار قدرات الطلبة في تعلمهم.[36]
§ تشجيع العمل المشترك وروح التعاون بين الأفراد؛
§ بروز الخصائص الفردية ومميزات كل شخص؛
§ وجود حوار وتفاعل وتغذية راجعة مباشة ونشيطة.
إن الطلبة داخل المكتبة يتبادلون الآراء والأفكار فيما بينهم ويعرضون مختلف وجهات النظر التي يصلون إليها، والنظريات التي تحدثت عن الموضوع، مما يجعلهم ملمين بكل جوانب الدرس المطلوب وقادرين على فهم عناصره وتذكرها في أي وقت كان، لأنها اجتهادهم الخاص. وليس تعاويذ قرأت عليهم في يوم من الأيام دون أن يفهموا طلاسمها أو يفكوا رموزها فظلت عائقا للفهم والحفظ، مطالبين بإعادتها يوم الامتحان كأمانة ردت إلى أهلها. إن إلقاء المحاضرة بعيدا عن إدماج الطالب في جو المكتبة ظل ردحا طويلا من الزمن هما يؤرق الطلبة الجامعيين وهم على أتم الاستعداد للمساهمة بشكل فعلي في تكوين أنفسهم ضمن بيئة مناسبة.
إن هذه المقاربات كفيلة بتخريج أجيال كفؤة ومؤهلة من الطلبة في مجال تخصصاتهم وتفرض على المكتبيين والقائمين على المكتبات الجامعية في الدول النامية هندسة حديثة ومساحات إضافية للعمل الجماعي، تسمح بالتقاء الطلبة والأساتذة والباحثين والمكتبيين للتعلم المشترك والمتبادل باستغلال مختلف الإمكانيات الحديثة، حيث يشاركون في فعاليات وملتقيات ومحاضرات تجري مباشرة في دول أخرى من العالم.
6. عوامل نجاح التكوين على البحث في المكتبة الجامعية:
1. التوســع الزمنــي:
من أهم التوجهات البيداغوجية التي يجب أن تنحاها المكتبات الجامعية هو التخلي عن النظام الزمني الإداري المعمول به، وقد اتبعت هذا الأسلوب العديد من المكتبات الجامعية في فرنسا ألمانيا بريطانيا وحتى المملكة العربية السعودية. حيث تظل المكتبات الجامعية مفتوحة إلى غاية ساعة متأخرة من الليل إضافة إلى الاستقبال أيام نهاية الأسبوع. لأن وظيفة المكتبة هي خدمة احتياجات البحث عند الجمهور في أوقات فراغهم وحاجتهم إلى المعلومات وليس في وقت ارتباطهم في أشغالهم الدراسية أو المهنية.
2. التصميم الهندسي اللائق والفضاءات المريحة:
من أهم توجهات المكتبات الحديثة في استقطاب القراء والباحثين مراعاة تصاميم حديثة تجمع بين الجمالية والوظيفية في نفس الوقت. إضافة إلى ذلك توفير مساحات تتلائم مع احتياجات كل فرد في العمل الفردي المعزول أو العمل الجماعي، مع مراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة كالمعوقين والمكفوفين وتسهيل طرق دخولهم إلى المكتبة، وإكسابهم الذاتية في البحث والاطلاع على الوثائق التي تناسبهم.
3. موظفون متخصصون:
ينبغي أن تتوفر المكتبة على طاقم متنوع من الموظفين المؤهلين في تخصصات متعددة حتى توفر للمستفيدين منها ولروادها مختلف الخدمات المتاحة في جو من النوعية والكفاءة. فالمكتبة الحديثة في حاجة إلى متخصصين في علوم المكتبات والمعلومات، والإعلام الآلي والإدارة والتسويق، وعلم النفس، وكل تخصص من شأنه أن يخدم وظائفها وأهدافها.
4. استخدام التقنيات الحديثة والتجهيزات المناسبة:
تساعد التكنولوجيات الحديثة في دعم التكوين، من خلال:
· البرمجيات البيداغوجية التي تصمم بشكل تفاعلي لتدعم المهارات الفكرية والعمليات الذهنية للطالب؛
· شبكات مكتبات جامعية للاطلاع على الوثائق ومتابعة التكوين؛
· تأثيث عصري ومريح،
7. التكوين على البحث في المكتبة الجامعية الجزائرية:
على الرغم من الجهود الكثيرة والأموال الكبيرة التي تنفقها الدولة الجزائرية لدعم مسيرة المكتبات الجامعية وتطوير منشآتها وأرصدتها وموظفيها، فهي تظل بعيدة عن التيارات التربوية والتعليمية العالمية. حيث تقدم خدمة الإعارة الخارجية والداخلية كأكثر الخدمات انتشارا، دون الاهتمام بتكوين المستفيدين منها على كيفية التعامل مع مصادرها والبحث عن المعلومات من خلال فهارسها وأقسامها. ومن أسباب إهمال المكتبات الجامعية للتكوين على البحث، مايلي:
- عدم وجود هيئة واضحة المسؤوليات والواجبات تشرف على المكتبات الجامعية على مستوى الوزارة، وتحدد لها واجباتها ووظائفها.
- عدم ضبط سياسة وأهداف معينة تسير وفقها المكتبة الجامعية.
- عدم كفاءة العاملين بالمكتبات الجامعية، كون أغلبيتهم غير مكونين لأداء الوظائف المكتبية.
- إنشاء المكتبات دون دراسة علمية دقيقة للاحتياجات الحقيقية، وكذا دون مراعاة المعايير والشروط الضرورية الخاصة بالمكتبة من حيث التصميم، المساحة، الفضاءات الداخلية الموقع.
- عدم تمتع مدير المكتبة بصلاحيات كافية تسمح له بالتحكم في الموظفين وحسن تسييرهم.
- عقلية التجاهل للمكتبة الجامعية التي تطغى على الكثير من المسؤولين والأساتذة وحتى الطلبة بمؤسسات التعليم العالي.
- ضعف روح المبادرة والاجتهاد لدى الكثير من العاملين بالمكتبات الجامعية.
- برمجة مشاريع الرقمنة والتشابك في غياب ضبط سليم ومعياري للأرصدة وللعمليات الفنية .
- عدم الاحتفاظ بالسجلات الإدارية والإحصاءات في المكتبة مما يجعل العمل عشوائي.
وعلى الرغم من تعدد المسؤولية فيما يخص أزمة المكتبات الجامعية إلا أن الكل ملزم على التفكير الواعي والمساهمة في تشجيع تطوير هذه الخلايا الفكرية المهمة لدعم الإبداع والابتكار في المجتمع، "لأن أحسن الإصلاحات، تنعكس ضد نفسها، إذا لم تجتمع الشروط الفعلية لنجاحها"[37]، والمكتبة الجامعية عامل أساسي وواحد من شروط إنجاح نظام LMD.
8. تجربة جامعة بدون مكتبة:
عند الحديث عن المكتبة الجامعية ومختلف الأدوار التي يمكنها أن تؤديها، والمشاكل التي تعانيها يتبادر إلى ذهن الكثيرين أن هذا عصر انترنت وشبكات معلومات رقمية ومتعددة الوسائط، ولا حاجة لوجود المكتبات. وربما ذهل الجميع عند استعمال الانترنت للمرة الأولى، لما تعرضه من نتائج كثيرة، ومعلومات هائلة ومتنوعة حول موضوع البحث المطلوب.
لقد عمدت جامعة مونتري الحكومية ( ولاية في كاليفورنيا الأمريكية ) التي افتتحت حديثا, إلى تجاهل تخصيص مبنى للمكتبة. لكنهم في السنتين الأخيرتين وجدوا أنفسهم يشترون كتبا بعشرات الآلاف من الدولارات لأنهم لم يجدوا ما يحتاجونه على الانترنت. كذلك قامت جامعة ولاية كاليفورنيا التقنية الحكومية ( التي تعد معقل أفضل مهندسي الحواسيب في العالم ) بدراسة تبني مكتبة افتراضية متكاملة وذلك لمدة سنتين. ثم اقترحوا إعداد مكتبة تقليدية بتكلفة 42 مليون دولارا مع مكونات عالية التقنية[38]. الأمر الذي يشير إلى أنه لم يحن الوقت بعد للتخلي عن المكتبة بأرصدتها الورقية لحساب المكتبة الافتراضية تستغني وتغني المستفيدين منها عن مصادر المعلومات التقنية.
إن الإعجاب بالتقنيات الحديثة والوسائط المتعددة التي تعرضها شبكة الانترنت يجعل الكل يراها كمصدر معلومات مثالي، لكن استمرار استعمالها لمدة طويلة يجعل المستعمل يكتشف الكثير من سلبياتها:
· يمكن تمثيل الانترنت بالمكتبة الضخمة غير المنظمة وغير المفهرسة. وبصرف النظر عن محرك البحث الذي تستخدمه أو حتى مجموعة المحركات مجتمعة, فإنه لا يمكن بحث المحتوى الكامل للانترنت. وهذه حقيقة برغم أن العديد من المحركات تدعي أن في إمكانها ذلك، لكنها تفشل في القيام ببحث موجودات كامل الشبكة. فكثيرا ما شبهت شبكة انترنت بالجبل الجليدي الذي ما خفي منها أكبر بأضعاف مما يظهر، ومما هو خفي عبر الشبكة المواقع المهمة والتي تتطلب كلمات مرور خاصة للولوج إليها ولا تستطيع المحركات استرجاعها.
· الكتب القيمة والدوريات العلمية المهمة لا يمكن أن إيجادها على الشبكة مجانا, بل بأسعار كبيرة جدا، كما أن الأفراد والمؤسسات التي تدفع تستطيع الوصول فقط للاطلاع وليس التملك لمصادر المعلومات.
· ضرورة الصيانة المستمرة للأجهزة والبرمجيات التي كثيرا ما تتعرض للعطب نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، أو نهاية مدة صلاحية البرنامج أو دخول فيروس معين للجهاز الأمر الذي يتطلب مصاريف إضافية وعمال مختصين، إضافة للأسعار المرتفعة للأجهزة المتعددة المستعملة والبرمجيات.
· آلام الظهر والرأس والعينين، والإرهاق الشديد نتيجة التركيز على شاشة الحاسوب والتعرض للإشعاعات التي تصدرها الأجهزة.
· ندرة التجانس بين الأجهزة والبرمجيات في مناطق متعددة من العالم، ونقص الجودة في البيانات والوثائق المتداولة عبر الشبكة نظرا لتعرضها للتغيرات لاختلاف نوعيات الأجهزة المستعملة في إعدادها وقراءتها.
· غياب المصداقية والمنهجية العلمية: انفتاح الانترنت أمام الجميع يجعلها مجالا يدلي فيه كل إنسان بما لديه من آراء وأفكار ونظريات وتوجهات مهما كانت تافهة وغير جدية ولا معنى لها.
ينبغي أن يقتنع الطلبة أن الرهان الحقيقي للثقافة، التوثيق والبحث عن المعلومات هو حقيقة أبعد من إطلاع بسيط على نتائج قام بها محرك بحث![39]، وعليه فمن الضروري التريث والاهتمام بالبحث الوثائقي المعتمد على الأرصدة الوثائقية المحكمة، مع الاطلاع الواعي والناقد لما ينشر عبر صفحات الواب.
خاتمـــة:
لم تعد الجامعة فضاءا ينظم ويتحقق فيه اكتساب المعرفة ونقلها وإنتاجها وتطويرها ونشرها فحسب، بل باتت تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى كعامل فاعل وحاسم في التنمية وتحقيق التنافسية. ونظام LMD يتكفل بهذا البعد المزدوج من خلال إدخال ممارسات بيداغوجية جديدة ومقاربات ابتكارية في بناء برامج التعليم مستوحاة مباشرة من احتياجات المجتمع وكذا من خلال تطوير قدرات البحث وتطبيقاته. ويقتضي هذا النظام كذلك إعادة تحديد المهام البحثية الموكلة للجامعة في علاقتها مع القطاع الاجتماعي والاقتصادي، وكذا إعادة ضبط أشكال مشاركتها في حل المشاكل المرتبطة بالنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي. فهو نظام يدعم ويرافق كل سياسة ترمي إلى ترقية الابتكار وتوسيع قدرات امتلاك التكنولوجيا في إطار شراكة ديناميكية تجمع بين الجامعات ومخابر البحث والمؤسسات العمومية والخاصة وحتى الهبات المالية والمستثمرين المحتملين[40]. كما تظل المكتبات الجامعية في كل النظم وخاصة LMD شريكة نجاح الطالب، فهي "الواجهة وحلقة الوصل للمعلومات المناسبة والمكيفة مع جمهور ومجتمع الجامعة والمنطق يقضي بتوفير المتطلبات حتى تقدم عرضا لخدمات مناسبة لكل جمهور"[41]. وعليه فالاهتمام بالمكتبة الجامعية وتوفير الشروط الضرورية لتطويرها، وجعلها مرفقا فاعلا في عملية التعليم العالي والبحث العلمي، يعد عنصرا جوهريا ومهما جدا تحقيقه، حتى نضمن جودتهما ومردوديتهما.
. نظام جديد للتعليم الجامعي في الجزائر، ينقسم إلى ثلاثة أطوار ليسانس، ماستر ودكتوراه.[1]
[2] . الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد ( جمهورية مصر العربية). دليل تقويم واعتماد الجامعات. [على الخط]
< http://www.naqaae.org/main/pdf/uni/manuals/universities_accreditation_manual.pdf> 02/05/2009
[3] . معوض، صلاح الدين إبراهيم. المناخ المؤسسي السائد في إدارة التعليم الجامعي: دراسة ميدانية لجامعة المنصورة. التعليم الجامعي في الوطن العربي: الكتاب السنوي في التربية وعلم النفس. القاهرة: دار الفكر العربي، 1987. ص. 329.
[4] . الترتوري، محمد عوض، تويجان، أغادير عرفات. إدارة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي والمكتبات ومراكز المعلومات. عمان: دار المسيرة، 2006. ص.76
[5]. غيات، بوفلجة. التربية والتعليم بالجزائر. وهران: دار الغرب للنشر والتوزيع،2006. ص. 77.
[6] . Ministère de l’Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique. Le Système LMD : entre implémentation et projection. Actes du Colloque International, Alger 30 et 31 Mai 2007.
[7]. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية). إصلاح التعليم العالي.
[8] . Djekoun, Abdelhamid. Reforme LMD en Aalgerie : Etat des lieux et perspectives. Le Système LMD : entre implémentation et projection. Actes du Colloque International, Alger 30 et 31 Mai 2007. p. 32
[9]. دياب، حامد الشافعي. إدارة المكتبات الجامعية: أسسها النظرية وتطبيقاتها العملية. القاهرة: دار غريب،[د.س. ].ص. 69.
. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية). المرسوم رقم 03-279. ص.5.[10]
[11]. عزالدين، السعيد. الاجراءات المكتبية.بغداد: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي،1980.ص.45.
[12]. المرجع نفسه.ص.44.
[13]. حسن، سعيد أحمد. المكتبة الجامعية. بيروت: دار الجيل، 1996. ص.15.
[14]. السباعي، مصطفى. من روائح حضارتنا. الجزائر: دار الصديقية، 1980. ص.225
[15]. حسن، زينب حسن. دراسة تحليلية لتجربة الجامعات الإقليمية في مصر . التعليم الجامعي في الوطن العربي: الكتاب السنوي في التربية وعلم النفس. القاهرة: دار الفكر العربي، 1987. ص.178.
[16]. الحداد، فيصل عبد الله حسن. خدمات المكتبات الجامعية السعودية. الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 2003. ص.80.
[17]. بدر، أحمد، عبد الهادي، محمد فتحي. المكتبات الجامعية: تنظيمها، إدارتها، خدماتها ودورها في تطوير التعليم الجامعي والبحث العلمي. القاهرة: دار غريب، 2001. ص. 25.
[18]. الحداد، فيصل عبد الله حسن. المرجع السابق. ص. 178.
[19]. الحداد، فيصل عبد الله حسن. المرجع السابق.ص.ص. 78-79.
[20] Dion , Henriette , Gaudreau, Louis, Godin, Maud. La maîtrise de l'information : un défi à partager. Documentation et Bibliotheques, avril-juin 1996, p. 81-85
[21] . Dion , Henriette , Gaudreau, Louis, Godin, Maud. Op.cit.
[22] . Devroy, Jean-Pierre, et al . La place de la bibliothèque dans la formation documentaire. [en-ligne] .<http://dipot.ulb.ac.be:8080/dspace/bitstream/2013/16277/1/jpd-0122.pdf>
[23] . تعود صفة المعلوماتية في النص على مصادر المعلومات، وليس على النظم الحاسوبية.
[24]. Hinchliffe, Lisa Janicke.Nouveaux développements en maîtrise de l’information.BBF. 2005, t. 50, no 6.p. 56
[25] . Ibid.p.57
[26] . ENSSIB. Présentation du service FORMIST. [en- ligne] http://www.enssib.fr/formist/presentation
[27] . يونس,عزيز . تقنية المعلومات. بنغازي، جامعة قازيونس، 1994 .ص.65.
[28] Pochet, Bernard, Thirion, Paul . Formation documentaire et projets pédagogiques . BBF. T. 44 n° 1.1999.p.p. 16-17.
[29] . International Standard Serial Number. International Center. TOTAL NUMBER OF RECORDS IN THE ISSN REGISTER. [en- ligne] <http://www.issn.org/files/issn/statistiques/total_numberofrecords.pdf>
[30] . بوعشة، محمد. أزمة التعليم العالي في الجزائر والعالم العربي: بين الضياع والأمل في المستقبل. بيروت: دار الجيل،2000. ص. 123.
[31] .Bernard, Pochet. Former a l’information..Et ailleurs ?.Actes du séminaire national :De l’information à la connaissance. Poitiers : Publications de la Dgesco,71-76. www.edudoc.be/Pochet2007.pdf
[32] . Boukhelif, Aoued, Tifour, Djamila. Problem-Base Learning (approche par problèmes (APP): de l’accumulation des connaissances vers leur intégration et transfert par résolution de problèmes. [en- ligne] <isdm.univ-tln.fr/PDF/isdm25/BoukelifTifour_TICE2006.pdf> 12/10/2009
. شحاتة، حسن. التعليم الجامعي والتقويم الجامعي: بين النظرية والتطبيق. القاهرة: مكتبة الدار العربية للكتاب، 2001. ص. 47.[33]
[34] . Stordeur, Joseph. Enseigner et/ou apprendre. Bruxelles : Ed. De Boecker,2006. P. 21.
[35] . Pochet, Bernard. Former a l’information..Et ailleurs ?.Actes du séminaire national :De l’information à la connaissance. Poitiers : Publications de la Dgesco,71-76. [en- ligne] <www.edudoc.be/Pochet2007.pdf>
[36]. Concept to class room : a series of workshops. [en- ligne] <http://www.thirteen.org/edonline/concept2class/coopcollab/index.html>
[37] . Dubois, Anne-Céline. LMD et formation a la recherche documentaire en bibliothèques universitaire : ruptures ou continuité. Mémoire d’étude. Diplôme de conservateur de bibliothèque. Paris, ENSSIB.
[38] .الزهري، سعد بن سعيد. هل تغني الانترنت عن المكتبة. المعلوماتية. [على الخط]
< http://informatics.gov.sa/details.php?id=36 > 15/07/2009
[39] . Dupuis, Richard. Les Bibliothèques Universitaires, partenaires de la réussite étudiante : le point de vue d’un enseignant] en ligne[ <http://www.abf.asso.fr/IMG/pdf/dupuis.pdf> 15/07/2009.
[40] .Ministere de l’Enseignement Superieur et de la Recherche Scientifique. Op.Cit.p.13.
[41] . Dupuis, Richard.Op.Cit