هل يستحب غسل اليدين بالصابون ؟
السؤال :
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم حذرا من الجراثيم ، وهل كان يستخدم
الصابون أو ألياف اللوتس .
يخبرنا الأطباء اليوم أن نغسل أيدينا كثيرا ، وأن نستخدم الصابون والماء ،
والصابون أيام النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كأيامنا اليوم ، فهل نتبع
الطرق الحديثة للوقاية ، أم أن الماء يكفي فهو الذي كان أيام النبي صلى
الله عليه وسلم .
إذا كانت الجراثيم مقلقة ، وعلينا أن نتبع ما يقال لنا ، فهل نستبدل
الصابون بألياف اللوتس أو البوتاس كما كان على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم ، فهل يكون ثوابنا أكبر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء ،
مثل استخدام البوتاس ، وقليل من الصابون والماء ، وأن لا نُغَيِّرَ ،
ونمتلك الكثير من الملابس ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الشريعة الإسلامية شريعة مرنة ، مبنية على قواعد عامة ، وأصول كلية ، تضبط تصرفات
البشر ، وتفسح لهم – في الوقت نفسه – فسحة من السعة التي تحدث بتغير الزمان والمكان
.
ومن
ذلك أنها لم تضيق على الناس في أبواب " العادات " والأفعال الدنيوية البحتة ، بل
تركت لهم حرية التصرف فيها بما يتناسب مع رغباتهم ومصالحهم وما ينفعهم ، ما لم
تخالف تلك العادة نصا من الكتاب والسنة ، وهذا معنى ما يقرره الفقهاء والأصوليون من
قولهم : الأصل في العادات الإباحة والعفو .
وعلى هذا ، فلا حرج على المسلم من الاستفادة مما تم اختراعه أو اكتشافه حديثاً ،
كالسيارات والطائرات والكهرباء .. ووسائل تنظيف البدن أو الثياب الحديثة .
ولا
يطلب من المسلم الرجوع إلى ركوب الإبل أو استعمال المنظفات التي كان يستعملها النبي
صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك ليس من العبادات ، التي يطلب فيها اتباع النبي صلى
الله عليه وسلم ، وإنما هي من العادات .
قال
الشاطبي رحمه الله :
"
العادات : الشارع قصد فيها اتباع المعاني ، لا الوقوف مع النصوص ، بخلاف باب
العبادات ، فإن المعلوم فيه خلاف ذلك " انتهى باختصار.
"
الموافقات " (2/523).
فقد
حث النبي صلى الله عليه وسلم على النظافة وعلى ما يحفظ الصحة بوجه عام ، واستعمل
لذلك من الأساليب والأشياء ما كان موجوداً في عصره صلى الله عليه وسلم ، فإذا جَدَّ
جديد وكان يؤدي إلى الغاية نفسها (أي : النظافة وحفظ الصحة) من غير مضرة فلا حرج
على المسلم من استعماله والاستفادة منه .
وفي
شريعتنا الكثير من التشريعات التي تدل على العناية بالنظافة ، نظافة البدن والثياب
والمكان ، ويكفي لتقرير ذلك أن الوضوء - الذي يشتمل على غسل اليدين والفم والأنف
والوجه - هو شرط من شروط صحة الصلاة التي هي عمود الدين .
واستعمال المنظفات مع الماء لم يكن كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك
لقلة هذه المنظفات ، ولقلة الماء نفسه .
ومع
ذلك فقد ثبت في السنة استعمال " السدر " في بعض الأغسال التي تقتضي مزيد عناية
وتنظف ، كغسل الميت ، وغسل الحائض ، وغسل الكافر إذا أسلم ، وذكر الفقهاء استعمال
مادة " الأشنان " أيضا للتنظف والاغتسال .
والأشنان : شجر من الفصيلة الرمرامية ، ينبت في الأرض الرملية ، يستعمل هو أو رماده
في غسل الثياب والأيدي . " المعجم الوسيط " (1/19) .
وأما السدر : فهو نبات ينبت على الماء ، ثمره النبق ، وورقه غسول . انظر: "لسان
العرب" (4/354) .
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (دَخَلَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ
ابْنَتُهُ ، فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ
كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) رواه البخاري (1253) ومسلم (939) .
قال
النووي رحمه الله :
"
فيه دليل على استحباب السدر في غسل الميت ، وهو متفق على استحبابه " انتهى.
"
شرح مسلم " (7/3) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
"
قالَ الميموني : قرأت على ابن حنبل : أيجزئ الحائض الغسل بالماء ؟
فأملى عليّ : إذا لم تجد إلاّ وحده اغتسلت به ، قالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم :
( ماءك وسدرتك ) ، وهو أكثر من غسل الجنابة .
قلت
: فإن كانت قد اغتسلت بالماء ، ثُمَّ وجدته ؟
قالَ : أحب إلي أن تعود لما قالَ " انتهى.
"
فتح الباري " (1/471-472)
وعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَسْلَمَ (فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) رواه الترمذي
(605) وقال : حسن . وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ولا
يخفى أن استعمال مادة " السدر " في الاغتسال ليس على سبيل التعبد ، بل هو من أمور
العادات التي تتغير بتغير الزمان والمكان ، فمن استعمل أي مادة منظفة تقوم مقام
"السدر" فقد حقق السنة ، وعمل بالمعنى والغاية التي أرادها الرسول صلى الله عليه
وسلم من الأمر بالغسل بالسدر .
وقد
سبق في موقعنا في العديد من الأجوبة بيان أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي
فعلها على وجه العادة أو بمقتضى الجبلة البشرية لا يستحب تقليده فيها ، وليس فيها
مزيد أجر على غيرها من الأمور العادية ، وإنما يتحقق الأجر في سنن العبادات وما
يتعلق بها .
قال
الشيخ الدكتور محمد الأشقر رحمه الله :
"
حكم هذه الأمور العادية وأمثالها ، أنها تدل على الإباحة لا غير ، إلا في حالين :
1-
أن يرد قول يأمر بها أو يرغب فيها ، فيظهر أنها حينئذ تكون شرعية .
2-
أن يظهر ارتباطها بالشرع بقرينة غير قولية : كتوجيه الميت في قبره إلى القبلة ، فإن
ارتباط ذلك بالشرع لا خفاء فيه " انتهى .
"
أفعال الرسول " (1/237).
وانظر جواب السؤال رقم :
(69822) .
ثانياً :
أما
ما ذكرته من عدم امتلاك الكثير من الثياب فالمطلوب من المسلم فيما يتعلق بالأكل
والشرب واللباس والسكن الذي يسكن فيه والأثاث الذي يجلس عليه ... ونحو هذه الأشياء
، أنه لا يتجاوز ما يحتاج إليه ، فيكون ما عنده من الثياب والأثاث والفرش على قدر
حاجته بلا زيادة ، فإن زاد عما يحتاج إليه فقد دخل في الإسراف المذموم شرعاً ، قال
الله تعالى : (وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .
قال السعدي رحمه الله :
"والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي تضر
بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفُّه والتنوُّق في المآكل والمشارب واللباس ، وإما
بتجاوز الحلال إلى الحرام .
(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) : فإن السرف يبغضه الله ، ويضر بدن الإنسان
ومعيشته ، حتى ربما أدَّت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات . ففي هذه
الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب ، والنهي عن تركهما وعن الإسراف فيهما"
انتهى .
"تفسير السعدي" (صـ 311) .
وروى ابن ماجه (3605) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كُلُوا وَاشْرَبُوا
وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) وحسنه
الألباني في صحيح ابن ماجه .
والله أعلم .