المقال التالي هو مقال علاء الأسواني حول الاتهامات المصرية للجزائريين في السودان:
كتبهاعلاء الأسوانى ، في 24 نوفمبر 2009 الساعة: 11:30 ص http://www.shorouknews.com/Columns/c...aspx?id=156920
مقاله علاء الاسوانى (( جملة إعتراضية ))
فى جريدة الشروق
24 نوفمبر 2009
دفاعًا عن علم مصر
فى يوم 14 نوفمبر عام 1935 كانت مصر كلها تغلى بالاحتجاجات ضد الاحتلال
البريطانى، وخرجت مظاهرة حاشدة من جامعة القاهرة تضم آلاف الطلاب الذين
راحوا يهتفون من أجل الاستقلال والديمقراطية.. وحمل
الطلاب زميلا لهم من كلية الزراعة اسمه محمد عبد المجيد مرسى وهو يرفع
بيده علم مصر وسرعان أطلق الجنود الإنجليز عليه الرصاص فاستشهد وكاد علم
مصر يسقط على الأرض فسارع بحمله طالب آخر هو محمد عبد الحكم الجراحى من
كلية الآداب.. وهدد الضابط الإنجليزى عبد الحكم بالقتل لو أنه تقدم خطوة
واحدة.. لكن
عبد الحكم ظل يتقدم وهو يحمل العلم فأطلق الضابط عليه الرصاص وأصابه فى
صدره وتم نقله إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.. وخرجت مصر كلها تودع
ابنها الشهيد الذى فضل الموت على رؤية علم مصر وهو يسقط على الأرض.. وفى
أول يوم من حرب أكتوبر عام 1973 استشهد عشرات الجنود المصريين حتى تمكن
الجندى المصرى «محمد أفندى» من رفع العلم على سيناء لأول مرة منذ
احتلالها. ليس
العلم إذن مجرد قطعة قماش وإنما هو رمز للوطن والشرف والكرامة.. فكرت فى
ذلك وأنا أرى علم بلادى تدهسه أقدام البلطجية الجزائريين فى السودان،
ويتلذذ بعضهم بإلقائه تحت السيارات والمرور عليه وتمزيقه وحرقه. إن
الاعتداءات البشعة التى تعرض لها المصريون فى الخرطوم قد كشفت عن عدة
حقائق. أولا:
من المألوف فى مباريات الكرة أن تندلع أحداث شغب بين المشجعين، لكن ما حدث
فى الخرطوم تجاوز شغب الملاعب بكثير.. لقد حملت طائرات السلاح الجوى
الجزائرى إلى الخرطوم آلاف البلطجية الجزائريين المسلحين الذين أسندت
إليهم مهمة محددة: الاعتداء على المصريين وإهانتهم.. وشهادات
الضحايا جميعا تدل على أن الغرض من الاعتداء كان إذلال المصريين.. فما
معنى أن يخلع الجزائريون ملابسهم الداخلية أمام النساء المصريات ثم يكشفون
عوراتهم ويرددون نفس الجملة «نحن ننكح مصر»؟ ما معنى أن يجبروا الرجال
المصريين على الانبطاح على الأرض حتى بعد الاعتداء عليهم بالسكاكين
والسيوف؟ ما معنى أن يحملوا لافتات كتبت عليها مصر أم الدعارة؟ هل لهذه
السفالة أية علاقة بكرة القدم؟ إن هؤلاء الأوباش لا يمكن أن يمثلوا الشعب
الجزائرى العظيم الذى حارب معنا فى حرب أكتوبر واختلطت دماء شهدائنا بدماء
شهدائه.. لماذا
الإصرار على إذلال المصريين بهذا الشكل وقد فاز الفريق الجزائرى
بالمباراة؟ أنا أفهم أن يحدث هذا الإذلال من جيش احتلال أجنبى لكن المحزن
حقا أن يتم بأيدٍ عربية.. هل
يقبل أى جزائرى أن تتعرض أخته أو أمه إلى الترويع وهتك العرض بهذه
الطريقة؟ إن منظر الضحايا المصريين وهم يبكون أمام شاشات التليفزيون من
فرط القهر والمهانة لا يمكن أن ينمحى من الذاكرة المصرية قبل أن نحاسب كل
من تسبب فى هذا الاعتداء الإجرامى. ثانيا:
مصر هى البلد العربى الأكبر وهى المصدر الأكبر للمواهب البشرية فى العالم
العربى، لقد كان للمصريين شرف المساهمة فى صنع النهضة فى بلاد عربية
كثيرة: الجامعات أنشأها الأساتذة المصريون.. والصحف أنشأها الصحفيون
المصريون.. معاهد الفنون والسينما والمسرح أنشأها الفنانون المصريون..
المدن والبيوت أنشأها المهندسون المصريون.. والمستشفيات أقامها الأطباء
المصريون حتى القوانين والدساتير هناك غالبا ما وضعها أساتذة قانون
مصريون.. بل
إن النشيد الوطنى الجزائرى ذاته قام بتلحينه الموسيقار المصرى محمد فوزى..
هذا التميز المصرى جعل العلاقة بين المصريين والشعوب العربية مركبة: فيها
الحب والإعجاب غالبا وتحمل أحيانا بعض الحساسية والتوتر.. فى فترة المد
القومى الناصرى، ساندت مصر الثورة الجزائرية وأمدتها بالمال والسلاح
ودافعت عنها فى المحافل الدولية وأرسلت جيشها لمساندة الثورة اليمنية بل
وخاضت مصر الحرب دفاعا عن فلسطين وسوريا. كانت
مشاعر العرب نحو مصر آنذاك حبا خالصا.. ولكن ما أن توقفت مصر عن أداء
مهمتها القومية وعقدت معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، حتى ظهرت على السطح
كل المشاعر السيئة ضد مصر.. ولا يتسع المجال لسرد عشرات الأمثلة على
محاولات بعض العرب المستمرة لإهانة المصريين والتقليل من دورهم وشأنهم،
بدءا من عبودية نظام الكفيل وإساءة معاملة المصريين ونهب حقوقهم فى
الخليج، مرورا بشركات إنتاج كبرى كثيرا ما تقام خصيصا من أجل استبعاد الفن
المصرى وتهميشه، وصولا إلى مسابقات ومهرجانات ثقافية تقام سنويا بملايين
الدولارات، فقط من أجل إثبات أن مصر لم تعد تملك الريادة فى الثقافة
والفن.. كل
هذه بالطبع محاولات بائسة وخائبة وبلا تأثير، أولا لأن مكانة مصر لا يمكن
أن ينقص منها هذا الصغار وثانيا لأن الشعب العربى المصرى لا يمكن أن يتنكر
لعروبته أو ينفصل عن أشقائه العرب مهما تكن الظروف. ثالثا:
إن تعاون النظام المصرى مع إسرائيل وإمداده لها بالغاز والأسمنت ومشاركته
فى حصار الفلسطينيين عن طريق إغلاق معبر رفح، كل هذه سياسات خاطئة مشينة
يرفضها المصريون أنفسهم قبل سواهم ويتظاهرون كل يوم تضامنا مع إخوانهم فى
العراق وفلسطين ولبنان.. بل
إن كثيرا من المصريين دفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم القومية كان آخرهم الصحفى
المعروف مجدى أحمد حسين الذى سافر إلى غزة تضامنا مع الفلسطينيين
المحاصرين هناك فألقت السلطات المصرية القبض عليه وقدمته إلى محكمة عسكرية
حكمت عليه بالسجن لمدة عامين.. إن
موقف النظام المصرى من إسرائيل لا يمثل إطلاقا موقف الشعب المصرى ولا يجوز
أبدا أن يستعمل كذريعة من أجل الاعتداء على المصريين وإهانتهم. رابعا:
لقد كان الاعتداء على المصريين فى الخرطوم نوعا من إرهاب الدولة تورط فيه
النظام الجزائرى وساعده فى ذلك تقصير النظام المصرى وفساده وعجزه عن حماية
المصريين. لقد مر أسبوع كامل على ارتكاب الجريمة بغير أن يتخذ النظام
المصرى منها موقفا جادا حاسما.. إن
الذين يتوقعون من الرئيس مبارك أن يعيد للمصريين كرامتهم المهدرة، أخشى أن
ينتظروا طويلا.. ماذا فعل الرئيس مبارك لمئات المصريين المعتقلين فى
السعودية؟ ماذا فعل للطبيبين المصريين اللذين حكم عليهما هناك بالجلد؟
ماذا فعل للمصريين الذين تم تعذيبهم فى الكويت؟ ماذا فعل الرئيس مبارك
للجنود المصريين الذين قتلتهم إسرائيل على الحدود وماذا فعل للأسرى
المصريين الذين اعترفت إسرائيل بإبادتهم أثناء الحرب؟.. الإجابة دائما
لاشىء.. المصريون حقوقهم مضيعة داخل الوطن وخارجه. لماذا
تركت السلطات المصرية اللاعب الجزائرى الأخضر بلومى يهرب بعد أن ارتكب
جريمة بشعة فى القاهرة وفقأ عين الطبيب المصرى بلا ذنب؟ وهل كان يسمح
للسيد بلومى بالهرب لو انه ارتكب جريمته فى دولة ديمقراطية محترمة؟ وهل
كان مسلسل الاعتداءات الجزائرية على المصريين ليستمر لو أن بلومى قبض عليه
فى مصر وقدم إلى المحاكمة؟.. إن حقوق المواطنين لا تتحقق إلا فى النظام
الديمقراطى، أما الأنظمة المستبدة فإن همها الوحيد الحفاظ على السلطة بأية
وسيلة وأى ثمن.. إن الحاكم الذى يغتصب السلطة ويقمع مواطنيه ويزور إرادتهم
فى الانتخابات لا يمكن أن يقنع أحدا عندما يتحدث عن كرامة المواطنين.. إن
جريمة إهانة المصريين وإذلالهم بهذا الشكل البشع لن تمر بدون مساءلة أو
عقاب واذا كان النظام المصرى عاجزا عن محاسبة هؤلاء المجرمين فإن واجبنا
جميعا، كمصريين، أن نضغط بكل السبل المتاحة على النظام الجزائرى حتى يقدم
اعتذارا رسميا للشعب المصرى ويقبض على المعتدين الجزائريين ويقدمهم
للعدالة. لا يجوز أبدا أن نقابل الإساءة بمثلها ولا يجب أن نخلط بين الشعب
الجزائرى العظيم والنظام الجزائرى الاستبدادى المسئول عن هذه الجريمة..
ولكن آن الأوان أن يفهم الجميع أنه، منذ الآن، لن يكون الاعتداء على
المصريين سهلا ولا مجانيا أبدا.. إن
إصرارنا على عقاب من اعتدوا على كرامتنا، لا يتعارض أبدا مع انتمائنا
القومى فالحسابات الجيدة كما يقول المثل الفرنسى تصنع دائما أصدقاء
جيدين.. والعلاقات الأخوية بين الشعبين الجزائرى والمصرى لا يمكن أن تتحقق
إلا باحترام حقوق المصريين والجزائريين جميعا. الديمقراطية هى الحل---------------------------------------
المقال الثاني هو مقتطف من كتابه " نيران صديقة " وهو منشور في مدونته" ولا يحتاج الى تعليقيقول
د. على الأسوانى على لسان عصام عبدالعاطى: «لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون
مصريا» العبارة الشهيرة لمصطفى كامل اخترت هذه العبارة لأبدأ بها أوراقى
لأنها فى رأيى أسخف ما سمعت فى حياتى أو هى تمثل إن كان صاحبها صادقا نوعا
من التعصب القبلى الغبى الذى ما إن أفكر فيه حتى يتملكنى الغيظ»: «هل
يتميز المصريون مثلا بالجدية وحب العمل كالألمان أو اليابانيين؟! هل
يعشقون المغامرة والتغيير كالأمريكان؟! هل يقدرون التاريخ والفنون
كالفرنسيين والإيطاليين؟! ليسوا على أى شىء من ذلك.. بماذا يتميز المصريون
إذن؟ أين فضائلهم؟ إننى أتحدى أى شخص أن يذكر لى فضيلة مصرية واحدة؟! الجبن والنفاق، الخبث واللؤم، الكسل والحقد، تلك صفاتنا المصرية ولأننا ندرك حقيقة أنفسنا فنحن نداريها بالصياح والأكاذيب.. شعارات رنانة جوفاء». «ننظم أكاذيبنا عن أنفسنا
فى أغنيات وأناشيد، هل سمعتم عن أى شعب فى العالم يفعل ذلك؟ هل يردد
الإنجليز مثلا «آه يا إنجلترا يا بلدنا أرضك مرمر وترابك مسك وعنبر»!! هذا
الابتذال من خصائصنا الأصيلة»!. «إن التاريخ المصرى ليس فى الواقع سوى
سلسلة متصلة من الهزائم منينا بها أمام كل الأجناس بدءا من الرومان إلى
اليهود». أديبنا
علاء الأسوانى مولع بتهشيم التابوهات وتعرية عورات المجتمع المصرى الجديد
بالإضافة إلى العمق الفلسفى الذى يتجلى وتتحلى به «أوراق عصام عبدالعاطى»،
حيث السقوط الوجودى المفضى إلى السقوط الاجتماعى الذى أفرز الزيف الدينى
ليتحول مجتمعنا إلى مجتمع وثنى، جاهلى، منزوع القيم الأصيلة، يتمرغ فى
طقوس واهية، مضللة، وفكر إظلامى مزدوج يقاومه علاء الأسوانى من خلال فكره
المجوهر فهو يكمل بالمقال ما سطره بالأدب حيث يسطع أسلوبه المنساب، الدافق
المفعم بالسخرية السوداء! وأعود لعصام المعذب بالوعى، المتوحد، العائش تارة فى الحلم وتارة فى الحقيقة
المؤلمة، يلتحق بالوظيفة فيقع فى قلب عالم يمور بالدناءة، احتراف
المزايدات الدينية الجوفاء التى تغلف الفساد، الآثام والانحراف الكئيب،
فالكل يزايد، يضلل، يزيف، يقترب العهر تحت وطأة مؤامرة الصمت، يشهد عصام
المثقف، المتوحد، فساد رئيسه الدكتور سعيد الذى يضاجع الفراشات البائسات
فى مكتبه مستغلا وظيفته وسلطته فيقضى منهن وطرا، أما من تقاومه فيحاول
سحقها، وسحلها بمساندة جميع من فى الوحدة، حيث يصبح الصمت المتفق عليه
أسوأ أنواع الصمت، كما كتب ذات يوم د. يوسف إدريس فالكل يتواطأ عندما تحين
لحظة الحسم والانقضاض على الضحية، البائسة
ومن ثم تهدر وتنحر الكرامة على مذبح الانحراف الوظيفى، الانتهازية، القهر،
الاستبداد والنفاق والجميع يلوذ بالستار الدينى لاقتراف أبشع الفواحش فنجد
هذا الدكتور سعيد الذى يضاجع البائسات من النساء يغوص أيضا فى المزايدات
الدينية: «فى شهر رمضان يتحول الدكتور سعيد إلى مؤمن ورع. المسبحة الطويلة
الخضراء لا تفارق يده وطاقية شبكية بيضاء يضعها على صلعته». ويكثر من التسبيح ويؤم الموظفين الوقت بوقته. ويقرأ القرآن من مصحف كبير يفتحه أمامه على المكتب! وهكذا يثور عصام ويرفض تلك
الازدواجية، وهذا التناقض الفاسد، والزيف، باسم الدين ويفطر فى رمضان
متحديا هؤلاء الذين عاثوا فى الأرض فسادا. ويقول: «أنا قرأت عن الإسلام
أكثر منكم» «يا جهلة يا رعاع». ويتكرر
ذات المعنى عندما يلتقى عصام بالألمانية يوتا التى يذوب معها فى نشوة
مُسكرة فهى الثمرة المجوهرة لحضارة الغرب الذى وقع صريعا فى غوايته، فلقد
فتنته تلك
الحضارة الخالية من التناقضات الدميمة حيث الحرية، الرقى، الجمال،
والشفافية، فالروح ملتحمة بالجسد، لا حواجز تفصل بينهما، ذروة التناغم
وتصوف الحواس حيث تطفو الروح وتروض الغريزة فتتجمل بفعل النقاء. ويأتى
شعبان البقال هذا الذى يمثل فلول العوام الذين يتحكمون بجهل ومزايدة فى
حيوات الآخرين، شعبان البقال القابع أسفل منزل يوتا يمثل محاكم التفتيش
التى تفتش فى النفوس، الأفئدة، العقول، الكتب، الضمائر، فهو يقوم برقابة
بوليسية على حياة يوتا وعلاقاتها، ويقول الأديب المبدع: «من هو شعبان؟
بقال متدين، يغش الزبائن ويغالطهم ويصلى الوقت بوقته، دنىء وغبى ومتطفل،
حاقد كأى مصرى، سأخاطبه باللغة التى يفهمها، لا تشترى العبد إلا والعصا
معه»،