بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير المرسلين ، أما بعد ؛
فإن من أصول دين الإسلام : تعظيمَ النبي صلى الله عليه وسلم ومحبتَه. ولا يكمل إيمان المرء حتى يحبه أكثر من كل أحد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» [أخرجه البخاري ومسلم ].
لكن هل معنى ذلك أن نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم ؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد أن نعلم ما يلي :
1/ أن الله تعالى قال في كتابه:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينً}[المائدة 3]. فما لم يكن ديناً آنذاك فليس اليوم بدين .
2/ قال النبي صلى الله عليه وسلم :«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [مسلم] أي: مردود . وقال صلى الله عليه وسلم :«كل بدعة ضلالة»[مسلم] . فهذان الحديثان يدلان على أنَّّ كل أمر لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمشروع ، ولا يكون حسناً ؛ لأن (كل) من ألفاظ العموم
3/ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حباً وإجلالاً له، ولا يشك عاقل في ذلك ، ومع ذلك لم يؤثر عن واحد منهم أنه احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم . فهل نحن أكثر حباً للنبي صلى الله عليه وسلم منهم ؟!! .
4/ يُقال للذي يحتفل بالمولد : هل احتفل به النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يحتفل ؟ فإن قال : لم يحتفل . قلنا : كيف تتجرأ على فعل أمر تزعم أنه قربة ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا ودلَّ الأمة عليه .
وإن قال : احتفل. قلنا :{ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ودون ذلك خرط القتاد، وولوج الجمل في سَمِّ الخياط .
وعليه فلا يشرع للإنسان أن يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .
واعلم أن الفاطميين - والصواب أن يُسموا بالعبيديين - هم أول من أحدث هذا الاحتفال . نصَّ على ذلك جمع من أهل العلم ، منهم : الإمام ابن كثير في البداية والنهاية ، والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي مصر سابقاً.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم لا يُعرف له تاريخ قاطع ، وذكر القرطبي المالكي رحمه الله طرفاً من خلاف العلماء في يوم مولده صلى الله عليه وسلم في تفسيره [20/194]. وعلى فرض أنه صلى الله عليه وسلم وُلد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول فهذا يوم وفاته كذلك . وليس الفرح في هذا اليوم بأولى من الحزن فيه .
ولا يُستدل على مشروعية الاحتفال بقول الله تعالى :{ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]فإنه لم يستدل بها أحد من أصحاب القرون المفضلة على هذا الزعم ، فهل نحن أفهم لكتاب الله تعالى من الصحابة والتابعين الذين فاتهم هذا الاستدلال ، وخلا عصرهم منه ، فكان إجماعاً على أنه لا يُراد من الآية ذلك . قال القرطبي نقلاً عن سلف الأمة في معنى الآية :(فضل الله الإسلام ، ورحمته القرآن) [الجامع :8/353].
ولا يُستدل كذلك بما يُذكر من الرؤيا التي فيها أن أبا لهب لما فرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم خفف الله تعالى عنه العذاب ؛ فإنها لا تثبت من ناحية الإسناد . والكافر لا يُثاب على أعماله الصالحة لأنه فقد شرطاً من شروط قبول العمل وهو الإيمان . فما بالك إذا كان العمل غير محل للثواب ؛ فالفرح بالأبناء فرح طبعي لا يُثاب الإنسان عليه لذاته .
وأما صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لأنه يوم وُلد وبُعث فيه فلا يدل على جواز الاحتفال . فالحديث دليل على أننا نصوم هذا اليوم من كل أسبوع شكراً لهذه النعمة ، وليس فيه أننا نحتفل بيوم واحدكل عام ، والعبادات لا قياس فيها .
وقد نص الإمام الفاكهاني المالكي المذهب على بدعية الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم في رسالته : المورد في الكلام على المولد ، وبه قال ابن الحاج المالكي [المدخل : 2/11-12]
وعلى المسلم أن يعلم أنه ليس في الإسلام بدعة حسنة ، وكل خير في اتباع من سلف، وتمسكك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أكبر دليل على محبتك له ، وليسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم .
نسأل الله أن يهدي المسلمين جميعاً ، وأن يجمع على الحق كلمتهم .
وصل اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وآله وصحبه .