تعريف القرآن الكريم :
- لـــغة :
ما ختلف أهل العلم والبيان في تعريف القرآن ومن حيث اللغة والاشتقاق فذهب بعضهم ومنهم " اللحياني " إلى انه مصدر مرادف للقرآن استنادا لقوله تعالى ( إنا علينا جهد وقرآنه فإذا قرأن انه فاتبع قرآنه ) [ الفرقان -1] .
وبذلك فإن القرآن مهموز أصلا فهو يقرأ بالهمزة وذهب آخرون إلا انه مأخوذ من القرء بفتح القاف وهو يعني الجمع كأن نقول : قرأ الماء في الحوض أي جمعه فيه ومنه كلمة القرية وهي الموضع من الأرض الذي يجتمع فيه فريق من الناس وقيل انه مشتق من الاقتران لأن آياته وسوره مقترة ببعضها البعض وثيقا يتجلى فيه التماسك والتلاحم .
وعلى هذا التعريف فإن القرآن يكون غير مهموز فيقرأ بقولنا – القرآن – وقيل من القرائن منه فإن القول الراجع هو الأول , وإن القرآن مهموز ومشتق من الفعل قرأ وذلك استنادا إلى الدليل من الآية القرآنية المذكورة وقد سمي القرآن بجملة من الأسماء منها " الفرقان " باعتباره الكلام الذي يفرق بين الحق والباطل , وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان -1] .
- إصـطلاحا :
لعل التعريف السليم والشامل للقرآن الذي يرد على نحو جامع ومانع , وهو {{ كلام الله المعجز المنزل على النبي صلى الله وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتوات المتعبد بتلاوته }} .
من خلال هذا التعريف يتبين أن القرآن الكريم كلام الله , فهو بذلك معجز يعز على الناس والملائكة والجن أن يأتوا لمثله وهو كذلك تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على نحوين : أو ليهمها أنه قد أنزل جملة واحدة وثانيهما كان تنجيما تتنزل منه الآيات كما يقتضي الموقف أو الضرف أو المناسبة .
ومن خلال التعريف أيضا أنه مكتوب فقد كان مستورا بين دفتي المصحف كما أنه منقول بالتوات أي أنه لم ينزل مرة واحدة , وهو كذلك متعبد بتلاوته أي أن تلاوته ضرب من ضروب العبادة (1).
مــفهوم البـلاغة :
لـــغة :
بلغ الشيء يبلغ بلوغا وبلاغة أي وصل وانتهى وأبلغه وهو إبلاغا بلغة , تبليغا والبلاغة الفصاحة قال أبو ألقيس ابن الاسلت السالمي :
قالت ولم تقصد الختى مهلا فقد أبلغت أسماعي .
إنما هو من ذلك أي انتهت فيه , أنعمت , وبلغ الشيء أي وصل إلى مراده والبلاغ ما يبلغ به ويتوصل إلى الشيء المطلوب , والبلاغ كفاية , ومنه ما ورد فيقول الراجس :
تزجّّ من دنياك بالبلاغ وباكـر المعدة بالـدباع .
وفي التنزيل : ( ما على الرسول إلا البلاغ والله ليعلم ما يبدون وما تكتمون ) [ المائدة :99].
الرجل بليغ وبلغ أي أحسن الكلام فصيحه يبلغ بعبارة لسانه كنة ما في قلبه والجمع بلغاء وبلغ العلام وبلغت الجارية إذا وصل إلى انتهاء مرحلة مادون التكليف ودخل في مرحلة التكليف ويكون بلإحتلام الغلام وحيض الأنثى ويقال ذكر بالغ وأنثى بالغ وبالغة والأمر البالغ هو الذي وصل إلى غايته فكان ناقدا (1).
وفي " القاموس المحيط " بلغ المكان بلوغا وصل إليه (2).
وقد ذكر " الجاحظ في كتابه " البيان والتبيين تعريفات كثيرة للبلاغة عند العرب وغيرهم من هنود وفرس وصحاري . ويعرفها بن عباس بأنها « شيء تجيش به صدورنا فتقن فيه على ألستنا » والبلاغة تكون وصفا للكلام والمتكلم (3).
إصــطلاحا :
يرى بعض الدارسين أن علوم البلاغة أجل العلوم الأدبية قدرا وأرسخها أصلا وأسبقها فرعا وأحلاها جني وأعذبها وردا لأنها العلوم التي يستولي على استخراج دور البيان من معادتها
ومحاسن النكت في مكامنها ولولاها لن ترى لسانا يلفظ الدرر , لهذا كانت منزلتها تلي العلم في توحيد الله تعالى (4).
ويرى آخرون أن البلاغة العربية تتمثل أولا وأخيرا في النصوص المكتوبة أو الملفوظة وحدها , وقد أجد " ابن المقفع " وحين سئل عن البلاغة فقال « البلاغة اسم تجري في وجوه كثيرة منها ما يكون في السكوت ومنها ما يكون خطبا , وربما كانت رسائل فعامة ما يكون من هذه الأبواب , فالوحي والإشارة إلى معنى أبلغ والإيجاز هو البلاغة »(1). ويرى ابن المعتز أن
« البلاغة هي البلوغ إلى معنى ولما بطل سفر الكلام »(2).
والبلاغة الحق إضافة إلى كونها الكلام المكتوب أو المسموع هي التي تقدر الظروف والمواقف وتعطي كل ذي حق حقه سواء أكان شعرا أو نثرا , مقالا أو قصة , مسرحية أو حكاية , مديحا أو هجاءا , غزلا أو استعطافا (3).
وبلاغة كلام متطابقته لما يقتضي حال الخطاب مع فصاحة ألفاظه مفردها ومركبها وحال الخطاب أو المقام هو الأمر الجاهل للمتكلم على أن يورد عبارته على صورة مخصوصة , والمقتضى يسمى الاعتبار المناسب وهو الصورة المخصوصة الذي تورد عليه العبارة , وبلاغة المتكلم وهي ملكة في النفس ويقتدر صاحبها على تأليف كلام بليغ مطابق لمقتضى الحال مع فصاحته في أي معنى قصير (4).
ومن بين تعاريف المتأخرين للبلاغة نذكر " راجي الأسمر " : « البلاغة تأدية المعنى الفصيح حسب الوقع في النفس مع مراعاة المناسبة والأشخاص الذين يوجه إليهم الكلام وقد حددت لمطابقة المقام وموافقته مقتضى الحال » (5).
وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في موقفها وانقسموا شيعا وأحزابا , فمنهم من انحاز إلى جانب اللفظ ومنهم من انحاز إلى جانب المعنى ومنهم من رأى بينهما صلة لا يمكن فصلها (6).
نبذة عن تاريخ علوم البيان
1 – الحاجة إلى وضع قواعدها :
اشتعلت نار الجدل صدر الدولة العباسية حتى اندلع لهيبها وتطاير شرورها إلى جميع أنحاء البلاد الإسلامية فترة من الزمن غير قليل بين أئمة الأدب وأرباب المقولات من علماء الكلام في بيان وجه إعجاز القرآن و اختلفوا في ذلك تعددت آراؤهم كما هو مسطور في زبر المتكلمين كالمواقف لعضد الدولة والمقاصد لسعد الدين التفتازاني حيث قال إبراهيم النطم « إن القرآن ليس معجزا لفصاحته وبلاغته وإن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثله لكن الله صرفهم عن ذلك تصديقا للنبي وتأييدا لرسوله حتى يؤدي رسالات ربه » .
كذلك قامت سوق نافقة للحجاج والمناظرة بين أئمة اللغة والنحو أنصار الشعر الجاهلي الذين رأو أن الخير كل الخير في المحافظة على أساليب العرب وأوضاعها .
ضف إلى ذلك ما شب من خلاف بين أئمة الأدب وبين بيان وجه تحسين الكلام حتى يرقى إلى سلم البلاغة وينال قسط من البلاغة وتناقضت آراؤهم في ذلك أينما تناقض في تعريف مال إلى رصيف الكلام الجامع بين العذوبة والجزالة وفريق أولع بالمنطق المشتمل على صفة البديع .
2 – أول من دونها :
لا يعلم أن أحدا سبق أبا عبيدة ابن المثنى الراوية قد وضع كتابا في علم البيان معناه مجاز القرآن موجز محدد أول من حدد علم المعاني كذلك أثر فيه جمع من البلغاء :
ابن عثمان – عمر بنحجر الجاحظ :
إمام الأدباء وسلطان المنشئين فقد أشار إلى مسائل في عصره : كبيان معنى الفصاحة والبلاغة وحسن البيان ثم قفاه " ابن قتيبة " في كتابه الشعر والشعراء كذلك " المبرد في كتابه " الكامل ويعتبر إبن المعتز أول من دون علم بديع ثم ألف " قدامة ابن جعفر " كتابا ثم نقد الشعر سماه " نقد قدامة " ثم كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري حيث يعتبر أول مصنف أشير فيه إلى مسائل علوم البيان الثلاثة
رقــي هذه العلوم :
1 – تأليف الإمام عبد القاصر الجرجاني :
هو أبو بكر عبد القاصر الجرجاني ت (471 م ) الذي نظر يمينه ويسيره فلم يجد من مسائل هذه الفنون نتفا قليلة فسعى إلى جمع متفرقات وأقام بناء على أسس عميقة وأملى من القواعد مشاء الله أن يملي في كتابه " أسرار البلاغة – دلائل الإعجاز" وأحكم بنيانهما بضرب من الأمثلة والشواهد .
2 – الزمخشري :( ت 538 ) .
ألف كشاف سعى فيه إلى تفسير القرآن الكريم وإظهار أسراره وشرح وجه إعجازه , وكشف خصائصه ومزاياه .
3 – أبو يعقوب يوسف سكالي : ( ت 626 ) .
في كتابه " مفتاح العلوم " وجمع في قسم ثالث زبدة ما كتبه الأئمة قبله في هذه الفنون وقد اختصر ما ألفه في كتاب آخر سماه " التبيان " .
4 – الوزير ميناء الدين إبن الأثير : ( ت 637 ) .
في كتابه المثل سائر في أدب الكاتب والشاعر حيث اشتمل كتابه على الكثير من الفنون وطبق عليها الكثير من آيات الذكر الحكيم (1).
عصور الاختصار ووضع الشروح والحواشي :
طبق المؤلفون من ق 18 وما بعده يوسعون الشروح والحواشي على المفتاح وتلخيصه
" للقزويني " وصرفوا جل اهتمامهم على تفسير ما أشكل من عبارات المؤلفين والجمع بين ما تناقض من آراءهم وأمثال ذلك . " شروح سعد الدين التفقزاني – شروح الجرجاني " وقد كانت أساليب اصطلاحية علمية لغوية .
تأليف المعاصرين لهذه الفنون :
ظهور مجموعة من المدارس العالية والثانويات وقد ألف العديد من الغويين مجموعة من المختصرات تلك البرامج المدرسية ومثال ذلك " دروس البلاغة " فهو أفضل تلك المختصرات (2).
الامضاء : حمزة م