سرطان القولون أكثر السرطانات شيوعا فى الجهاز الهضمى وهو سرطان الامعاء الغليظة، وهو يسمى أيضاً السرطان القولوني المستقيمي. معظم حالات سرطان القولون تبدأ من بوليبات ورمية غدية، لكن نسبة صغيرة فقط من جميع الأنواع المختلفة من البوليبات التي تنشأ في القولون (حوالي 1%) هي التي تصير سرطانية فيما بعد. التغير من البوليب الورمي الغدي إلى السرطان القولوني يحدث ببطء على مدى يتراوح من 5 إلى 10 سنوات بسبب سلسلة من التغيرات الجينية. لكن إذا تم استئصال البوليب قبل أن يصبح خبيثاً، فإنه بالطبع لن يتحول إلى سرطان قولوني.
جدة: د. عبد الحفيظ خوجة
يعتبر سرطان القولون وسرطان المستقيم من الأمراض الخبيثة التي توفرت عنها معلومات كثيرة عن آلية نشوئها، فهذه الأورام تنشأ عن طريق اختلالات جينية عديدة متتابعة تحدث في خلايا الغشاء المخاطي للقولون، فتُحدث فيه أوراما حميدة تبدأ على شكل نتوء يتغير عبر عدة مراحل إلى أورام خبيثة.
ومن المهم تشخيص هذه النتوءات واستئصالها بطريقة صحيحة وكاملة ثم فحصها فحصاً كاملاً حتى نتمكن من القضاء على هذه الأورام الحميدة في مرحلة مبكرة قبل تحولها إلى أورام خبيثة ثم بعد ذلك يحتاج هؤلاء المرضى إلى متابعة مستمرة بالمنظار في مراحل دورية على مواعيد منتظمة حتى نكتشف نشوء نتوءات جديدة ونستطيع استئصالها بشكل كامل في مرحلة مبكرة.
وهناك عدة أمراض وراثية معروفة تترافق مع نشوء هذه الأورام الحميدة بشكل واسع سواء كانت مرتبطة بجين(fap) أو بغيرها من الجينات. والأشخاص الحاملون لهذه الجينات أو الذين لديهم قصة مرضية عائلية بنشوء أورام القولون، يجب عليهم الخضوع لإشراف طبي دقيق ابتداء من منتصف العمر.
أما عن العوامل البيئية التي يمكن أن تؤثر على نشوء أورام القولون، فالمعروف منها في هذا المجال قليل، إلا أننا نعرف أن الإمساك مثلاً والأطعمة الدسمة وزيادة الوزن عوامل معروفة بأنها تؤثر في نشوء أمراض القولون بشكل عام، بما في ذلك الأورام سواء الحميدة أو الخبيثة. وهذه الأمور مرتبطة ببعضها البعض، فتناول كميات كبيرة من الوجبات الدسمة يؤدي إلى الإقلال من الألياف في الغذاء، وهذا بالتالي يؤدي إلى الإمساك ويؤدي إلى زيادة الوزن أيضا، ولذلك نجد أن العلاقة بين هذه الأورام والبيئة غير واضحة بشكل كامل.
الدكتور عبد الرحيم قاري، استشاري أمراض الدم والأورام ومدير مركز قاري الطبي، يتحدث عن هذا المجال، موضحا أن هناك دراسات تشير إلى ارتباط أورام القولون بالأطعمة الدهنية أو اللحوم المشوية حيث قيل ان هذه الأطعمة توجد فيها مواد عضوية غير محترقة بشكل كامل كالكربوهيدرات تؤدي إلى نشوء أورام في القولون. وهناك تقارير أخرى تنفي هذه العلاقة.
ومن المهم هنا التحذير من الوجبات السريعة لاحتوائها على نسبة كبيرة من الدهون خاصة المشبعة، مما يؤدي إلى زيادة الوزن وزيادة الإمساك وقد تكون بعض هذه الوجبات السريعة معرضة إلى أبخرة وأدخنة. وقد وردت تقارير تشير بدورها الخطير في نشوء الأورام حتى ولو كانت هذه التقارير غير جازمة.
ومن أهم الأعراض التي تشير إلى وجود سرطان في القولون، حدوث تغير في عادات الإخراج لم يكن المريض معتاداً عليها سابقاً، كحدوث إمساك لفترة طويلة، أو تقلب الإمساك مع إسهال مع بعض الآلام في منطقة البطن أو خروج دم مع البراز، لذلك ينبغي على الشخص الانتباه إلى أي تغير في عادات الإخراج لديه.
الكشف المبكر لسرطان القولون
تعتبر أورام القولون من الأمراض الخبيثة المعدودة التي يمكن الكشف عنها مبكرا بفعالية. وهناك ثلاث وسائل هامة لذلك وهي:
الفحص عن الدم الخفي في البراز.
تنظير جزئي للقولون.
تنظير كامل للقولون.
بالنسبة لفحص الدم الخفي في البراز، فهو فحص بسيط وسهل ورخيص ولا يترافق مع مضاعفات، إلا أن هذه الوسيلة محدودة الفعالية، وذلك لأن هناك عدداً من الأورام الخبيثة لا تفرز نزفاً، وعدداً من الأورام الحميدة في القولون وبعض عوامل التغذية تعطي فحصاً إيجابيا، وهي في الحقيقة لا تشير إلى مرض خبيث أو أي مرض آخر.
وبالنسبة لتنظير القولون الجزئي أو الكلي: فهو أدق ولكنه محفوف بمضاعفات أكثر وتكلفته أكبر أيضا خاصة التنظير الكلي.
ومن المهم معرفة أعراض سرطان القولون وأن الذين يعانون من التهابات مزمنة في القولون مثل التهاب القولون التقرحي أو مرض (كرون) لديهم قابلية أكبر لنشوء أورام القولون والمستقيم لديهم خاصة أولئك الذين يعانون من التهاب القولون التقرحي. ولذلك ينصح بعض هؤلاء المرضى بأن يقوموا باستئصال كامل للقولون وقاية من حدوث هذه الأمراض الخبيثة. إلا أن ذلك مرتبط بعوامل مختلفة مثل نشاط المرض ومدة حدوثه وغير ذلك.
وسائل علاج سرطان القولون:أما بالنسبة للذين تم اكتشاف وجود ورم خبيث لديهم فيمكن تلخيص وسائل العلاج المتاحة إلى العلاج الدوائي (الكيميائي) والعلاج الإشعاعي والعلاج الجراحي. ولابد من أن تتضافر جهود الاستشاريين في هذه التخصصات الثلاثة حتى نقدم للمريض أفضل الفرص للتخلص من هذا المرض.
ثم لا بد من مراعاة جوانب معينة مثل الجوانب المتعلقة بنوعية الحياة بعد العلاج، وذلك أن المرضى حين يتم اقتراح العلاج الجراحي الجذري لهم بالنسبة لأورام المستقيم السفلي، يعني ذلك فقدانهم للمخرج الطبيعي للبراز، وأن يتم إنشاء فتحة في جدار البطن يلصق بها كيس للتخلص من فضلات الطعام.
وذلك يشكل عبئاً نفسياً شديداً عليهم، فالشخص النشط في الحياة والممارس لمهنته بشكل طبيعي يصعب عليه أن يمارس هذا النشاط الطبيعي في الحياة مع كيس ملصق بجدار البطن يحمل فضلات الطعام، ولذلك لا بد من مناقشة هذه الأمور مع المريض، ومناقشتها بين الاستشاريين في التخصصات المختلفة إذ يمكن ترتيب الوسائل العلاجية الثلاث هذه، بحيث يبدأ بالعلاج الكيميائي والإشعاعي قبل الجراحة حتى يتم تصغير الورم إذا كان موجودا في أسفل المستقيم، ثم بعد ذلك يقوم الجراح باستئصال الورم مع جزء من القولون من دون الحاجة إلى استئصال المخرج الطبيعي.
دراسات واسعة وعديدة تثبت أن المرضى الذين يتلقون العلاج الكيميائي بعد استئصال كامل الورم تكون نسبة الانتكاسة لديهم أقل من أولئك الذين لا يتلقون هذا العلاج. وقد مر الطب الحديث في العقود الماضية بأنواع مختلفة من العلاج الكيميائي حتى وصلنا في العقد الأخير إلى أنواع حديثة منه ذات فعالية عالية مع درجة لا بأس بها من الأمان من ناحية الآثار الجانبية. وثبت علميا أن أورام المستقيم،
بعد الجراحة، تحتاج إلى علاج إشعاعي لمنطقة الحوض حيث يخفض نسبة حدوث انتكاسة في تلك المنطقة، حتى لو تم التخلص من الورم كاملا وأعطي المريض العلاج الكيميائي. وأثناء متابعة المريض عبر السنوات الأولى بعد الجراحة يجري الأطباء فحصاً مخبرياً على الدم يكشف عن بروتين غير طبيعي تفرزه الخلايا السرطانية ولذلك يمكن الاستفادة من تحليل هذا البروتين غير الطبيعي المسمى cea في الكشف عن حدوث انتكاسة بعد الجراحة أو الكشف عن مدى استجابة المريض للعلاج الكيميائي والإشعاعي.
إلا أن استخدام التحليل المخبري هذا للكشف المبكر عن أورام المستقيم والقولون يعتبر غير صحيح لأن هذا التحليل المخبري يرتفع فقط في الحالات المتقدمة، ومن المهم أيضا أن نشير إلى أنه يرتفع في بعض الأورام الحميدة. دراسات علمية واسعة تثبت استفادة المريض من العلاج الجراحي حتى لو حدثت له انتكاسة في الكبد أو في الرئتين أو في المبايض (بالنسبة للنساء).
هذا بالإضافة إلى الوسائل العلاجية الحديثة باستخدام الأدوية الكيماوية الحديثة أو باستخدام الأدوية المناعية الحديثة أو الأدوية الموجهة التي توجه ضد مستقبلات بعض عوامل نمو الخلايا، أو الموجهة ضد الأوعية الدموية المغذية للورم.