المقدمة
كانت
الإرهاصات الأولى لقيام البيولوجيا على بعض الأسس العلمية قد حدثت في
القرنين السابع عشر والثامن عشر، على يد مجموعة من العلماء، الذين كتبوا
بحوثاً التصنيف الطبيعي للحيوانات والنباتات تبعاً لما بينها من أوجه شبه
واختلاف. وكان لظهور الميكروسكوب أثر كبير على تطور البيولوجيا، ولكن الأمر
لم يتعدى عملية التصنيف ودراسة الظواهر البسيطة المرتبطة بالكائنات الحية.
ودخلت البيولوجيا في الثلاثين سنة الأخيرة مرحلة جديدة وخطيرة من
تطورها، إلى درجة أن العلماء يؤكدون أنه إذا كان عصرنا هذا قد شهد تغيرات
حاسمة في الحياة بفضل الفيزياء، فقد بدأت تظهر فيه بوادر تدل على أن العالم
الذي سيحدث تغييرات جذرية في العالم خلال القرن المقبل هو علم الحياة. ففي
مجال علم الأجنة الذي يهتم بدراسة تركيب وتطور الكائن الحي منذ مرحلة
التلقيح حتى لحظة الولادة, قدّم هذا العلم حلا لمشكلة العقم، إذ وجد
وسيلتين للتغلب على هذه المشكلة هما: الإخصاب الصناعي، والإخصاب خارج الرحم
(أطفال الأنابيب). وفي مجال الهندسة الوراثية والاستنساخ الوراثي، نجح
العلماء مؤخراً باستنساخ النعجة "دوللي"، حيث أثار هذا الكشف ضجة عالمية لم
تهدأ حتى هذا اليوم . لأنَّ هذا التقدم جعل استنساخ الإنسان في متناول
اليد، وهذا يثير أسئلة كثيرة وكبيرة من حيث الآثار المترتبة على ذلك، من
الناحية الدينية والأخلاقية والحقوقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية
وغير ذلك.
adn
(Deoxyribonucleic acid) هو الحمض النووي الذي
يحتوي على التعليمات الجينية التي تصف التطور البيولوجي للكائنات الحية
ومعظم الفيروسات كما انه يحوي التعليمات الجينية اللازمة لأداء الوظائف
الحيوية لكل الكائنات الحية. يعتبر وسيلة التخزين الطويل الأجل للمعلومات
الوراثية هو الوظيفة الأساسية لجزيئات الدنا بالإضافة الي انه يمكن من خلال
هذه الجزيئات الحصول علي المعلومات اللازمة لبناء البروتينات و جزيئات
الرنا RNA . وتسمي قطع الدنا التي تحمل معلومات وراثية يمكن ترجمتها
لبروتينات بالجينات Genes أو المورثات كما ان للبعض الآخر أغراض تركيبية
وتنظيمية .
كيميائياً؛ يعتبر الدنا بوليمر (عديد جزيئات) يتكون من وحدات
بناء تسمي النيوكليوتيدات وكل نيوكليوتيدة تتكون من ثلاثة جزيئات هي :سكر
خماسي دي اوكسي ريبوز (سكر ريبي منقوص الأكسجين)، مجموعة فوسفات و قاعدة
نيتروجينية (احدي قواعد البيورين أو البيريميدين) ويتم اتصال جزيئات السكر
والفوسفات بشكل متتابع لتكوين ما يعرف بهيكل سكر الفوسفات بحيث تتصل مجموعة
الفوسفات بذرة الكربون 5َ لسكر النيوكليوتيدة التي تتبع لها عن طريق رابطة
تساهمية وبذرة الكربون3َ لسكر النيوكليوتيدة التالية عن طريق رابطة
استيرية ويتم ارتباط القواعد النيتروجينية علي هيكل سكر الفوسفات عن طريق
ارتباطها بذرة الكربون 1َعلي جزئ السكر المقابل . ويعطي تتابع القواعد
النيتروجينية علي طول هيكل سكر الفوسفات في جزئ الدنا اكواداً أو شفرات
يمكن من خلالها تحديد تتابع الأحماض الأمينية للبروتين المقابل وتم ذلك كما
يلي :يتم نسخ جزئ رنا مقابل لجزئ الدنا المحتوي علي كود البروتين في عملية
تسمي بعملية النسخ transcription ويتم ترجمة الأكواد إلي أحماض امينية
مقابلة خلال عملية الترجمةtranslation لتعطي البروتين المقابل.وليس
بالضرورة ان يتم ترجمة الشفرات الي بروتين اذ ان بعض جزيئات الرنا تدخل في
تركيبات مثل الريبوسومات ribosome والاسبليسوسومات spliceosomes.
ينتظم
الدنا داخل الخلية في تركيبات تسمي الكر وموسومات (الأجسام الصبغية)
والكروموسومات في مجموعها تكون ما يعرف بالجينوم Genome (المحتوي الجيني او
الصبغي للخلية). قبل انقسام الخلية تتضاعف الكروموسومات فيما يعرف بتضاعف
الدنا Replication ويتم ذلك في كل من بدائيات النوى prokaryotes وفي
حقيقيات النواة eukaryotes .
لمحة تاريخية
تعود أول ملاحظة للدنا في
العلم الحديث للطبيب السويسري فريدريك ميسشر في عام 1869 عندما استطاع
استخلاص مادة مجهرية من القيح و أسمها نووين (نيوكلين) بسبب و جودها داخل
النواة. و في عام 1929 استطاع فيبي ليفني من اكتشاف مكونات الوحدة الأساسية
للدنا و هي النوويدات و بين أن الدنا ما هو إلا تكرار لهذه الوحدة.
في
عام 1943 أجرى أوزوالد أفري تجربة بمزج بكتيريا نيموكوكس (الاسم العلمي:
Pneumococcus ) ميتة و تحمل خاصية السطح الناعم مع بكتيريا حية من نفس
النوع و لكن ذو سطح خشن. نتائج التجربة كانت انتقال خاصية السطح الخشن إلى
البكتيريا ذات السطح الناعم. و سمى الدنا بالعامل الناقل.
و في عام 1953
و بالإعتماد على الصور السينية المأخوذة بواسطة روزاليند فرانكلين و
المعلومات المتوفرة عن القواعد و طريقة ارتباطها ببعضها، طرح كل من جيمس
واتسون و فرانسيس كريك نموذجهما (اللولبي المزدوج)و نشروا تجاربهم في مجلة
الطبيعة. و في عام 1957 وضح كريك العقيدة الأساسية لعلم الأحياء الجزيئي و
وضح العلاقة ما بين الدنا و الرنا و البروتينات. وبين كريك لاحقا أن
الكودونات تتكون من 3 قواعد مما ساعد علماء آخرون بفك الشيفرة الوراثية و
تحديد الكودونات المشفرة للأحماض الأمينية. و في عام 1958 أوضح العالمان
ميليسون و ستال طريقة تناسخ الدنا و وصفها بالشبه محافظة. حصل واتسون و
كريك و موريس على جائزة نوبل في الطب لاكتشافاتهم في هذا الحقل في عام
1962.
الخواص الفيزيائية والكيميائية
يعتبر الدنا عديد جزيئات
(بوليمر) طويل مكون من وحدات متكررة تعرف بالنيوكليوتيدات Nucleotides حيث
يبلغ عرض سلسلة الدنا من 22 الي 26 انجستروم وطول النيوكليوتيدة الواحدة
3.3 انجستروم . ولكن بالرغم من ان كل نيوكليوتيدة صغيرة جداً في الحجم إلا
ان بوليمرات الدنا يمكنها تشكيل جزيئات ضخمة تحتوي علي ملايين
النيوكليوتيدات فمثلاً : يبلغ طول الكروموسوم رقم 1 (أكبر كروموسوم بشري)
حوالي 220مليون قاعدة مزدوجة.
مكونات الدنا
صورة تبين التركيب الكيميائي للدنا.
يتكون
الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين من سلسلتين متوازيتين تنتظمان على
هيئة سلم ملتف لولبيا (Double Helix). يتكون جانبا السلم اللولبي من تعاقب
السكر خماسي وقاعدة الفوسفات بينما تتصل القواعد النيتروجينية من الداخل.
تتكون الوحدة الأساسية لبناء جزيئة الدنا، والتي تسمى بالنيوكليوتيد من
ثلاثة أجزاء، وهم:
ترتبط جزيئات السكر في الدنا برابطة فوسفاتية
(Phosphodiester Bond) في كل من ذرات الكربون الثالثة و الخامسة، بينما
ترتبط القاعدة النيتروجينية بذرة الكربون الأولى للسكر الخماسي. ترتبط
القواعد ببعضها برابطة هيدروجينية (Hydrogen Bond). ترتبط القواعد مع بعضها
بشكل منظم بحيث ترتبط القاعدة أدينين مع القاعدة ثايمين في السلسلة
المقابلة برابطة هيدروجينية ثنائية، بينما يرتبط الكوانين مع السايتوسين
برابطة هيدروجينية ثلاثية.
تسمى أحد سلسلتي الدنا بالنهاية الخامسة (و
يرمز لها ’5)وذلك لعدم ارتباط ذرة الكربون الخامسة بسكر خماسي بينما
السلسلة الأخرى تسمى بالنهاية الثالثة (’3) ولنفس السبب السابق. وتلتقي
السلسلتين بشكل متوازي و عكسي (Antiparallel)، بحيث أن ’5 يقابلها على
السلسلة المتوازية ’3.
يلتف الدنا حول نفسه بشكل لولبي و هو ما يعرف
باسم الالتفاف المفرط و قد يكون هذا الالتفاف بنفس اتجاه التفاف سلسلتي
الدنا مما يجعل القواعد قريبة من بعضها بشكل كبير و يسمى التفاف مفرط
إيجابي. و قد يكون هذا الالتفاف عكس اتجاه التفاف سلسلتي الدنا و يسمى
التفاف مفرط سلبي و تكون القواعد متباعدة عن بعضها و معظم الخلايا تظهر هذا
النوع من الالتفاف المفرط.
علم الوراثة
م الوراثة Genetics هو
علم دراسة المورثات (الجينات ) gene ، و الصفات الوراثية التي تنتقل من
الآباء للأبناء عن طريق المورثات ، كما يدرس تباين الأنواع و اختلاف صفاتهم
نتيجة اختلاف المادة الوراثية (الصبغيات Chromosomes )
بدأ علم الوراثة
على يد العالم المشهور مندل بدراسة انتقال الصفات الوراثية من الآباء
للأبناء و نسب توزعها بين أفراد الأجيال المختلفة . يعرف هذه الدراسات الان
بعلم الوراثة الكلاسيكي . لكن التقنيات الحديثة سمحت لعلماء الوراثة حاليا
باستقصاء آلية عمل الجينات و معرفة التسلسل الدقيق للحموض الأمينية ضمن
دنا (DNA) و رنا (RNA) المادة الوراثية ليقوموا بعد ذلك بربط هذا التسلسل
بالمورثات ، و قد سمح هذا بإتمام واحد من أضخم مشاريع القرن العشرين : و هو
مشروع الجينوم البشري .
المعلومات الوراثية بشكل عام تكون محمولة ضمن
الصبغيات chromosome الموجودة في نواة الخلايا و تحوي ضمنها الدنا الحامل
الأساسي للمورثات genes .
تقوم الجينات بتشفير encode المعلومات
الضرورية لاصطناع سلاسل الأحماض الأمينية amino-acid sequences التي ستدخل
في تركيب البروتينات المختلفة ، هذه البروتينات ستلعب بدورها دورا كبيرا في
تحديد النمط الظاهري phenotype النهائي للمتعضية organism . عادة في
الأحياء ثنائية الصيغة Diploid أحد النسخ الجينية (أليل) Allele المسيطرة
سوف تطغى بصفاتها على صفات الجينة المتقهقرة (الضعيفة) recessive .
انتشر
في الوراثيات الكلاسيكية مبدأ يقول ( لكل مورثة واحدة ، بروتين واحد )
بمعنى أن كل مورثة تحمل معلومات لبناء بروتين و أحد فقط ، لكن هذه العبارة
يشكك بها كثيرا هذه الأيام و تعتبر إحدى الأخطاء التبسيطية التي وقع بها
علم الوراثة الكلاسيكي .
من المؤكد الان أنه يمكن لنفس المورثة أن تنتج
عدة بروتينات و يتحكم بهذا الأمر طريقة ترجمة (تحويل) transcription الشفرة
الوراثية و تنظيم هذه العملية المعقدة .
تقوم المورثات بتحديد مظهر
الكاثنات الحية الخارجي إلى حد كبير ، و هناك احتمال يطرحه البعض فكتحكمها
بالسلوك البشري لكن هذه القضية ما زالت قيد نقاش عميق و تختلف وجهة النظر
حسب التوجهات العلمية للباحثين .
حقول علم الوراثة
علم الوراثة السلوكي
يدرس تأثير المورث المختلف على سلوك الحيوانات.
علم الوراثة السريري
الأطباء
المتدربين أيضا على علم الوراثة يقومون بتشخيص الأمراض الوراثية عند
المرضى بكفاءة . يتم تدريس ذلك للأطباء في مناهج إقامة أو اختصاص.
علم الوراثة الجزيئي
تم تأسيس علم الوراثة الجزيئي بناء على علم الوراثة الكلاسيكي لكنه يركز أكثر على بنية و وظيفة المورثات على المستوى الجزيئي .
يضم
علم الأحياء الخلوي و الجزيئي العديد من فروع علم الأحياء التي ترتبط
بدراسة العمليات الحيوية على مستوى الخلية و على المستوى الجزيئي ضمن
الخلية و خارجها . يضم التقانة الحيوية Biotechnology ، علم الوراثة ، علم
الأحياء التنموي Developmental Biology و أخيرا علم الأحياء الدقيقة
Microbiology . علم الأحياء الخلوي يدرس الخلايا الحية من حيث فيزيولوجيتها
و بنيتها و بنية عضياتها إضافة لدورة حياتها ، الانقسام الخلوي و أيضا موت
الخلية . أما علم الأحياء الجزيئي فيدرس العمليات الحيوية على المستوى
الجزيئي مما يجعله متداخلا مع الكيمياء الحيوية و علم الوراثة .
علم الوراثة الجمعي ، الكمي و البيئي
علم وراثة السكان
علم
وراثة السكان يدرس القوى التي تؤثر على التنوع الجيني للسكان ونشوء
الأنواع (تحور ، تدفق ، انتخاب) بتطوير نماذج رياضية وإحصاءاتية.
مشروع الجينوم البشري
الجينيوم
البشري Human genome: هو الطقم الكامل المكوّن من أكثر من 500000 جين
موجودة في نواة الخلية لأغلب الخلايا البشرية. ويتوزع الجينوم النووي
للأنثى على ثلاثة وعشرين زوجاً من الكر وموسومات المتشابهة بنيويا، لكن
الكر وموسوم X في الذكور يقترن مع الكر وموسوم Y غير الشبيه به، وبذلك يصبح
هناك 24 نوعا مختلفاً من الكر وموسومات البشرية. وبكلمات أخرى، يمكننا
القول بأن الجينوم هو كامل الحمض الريبي النووي منزوع الأكسجين (أو الدنا
DNA اختصاراً) في كائن حي معين، بما فيه جيناته genes. وتحمل تلك الجينات
(المورثات) جميع البروتينات اللازمة لجميع الكائنات الحية. وتحدد هذه
البروتينات، ضمن أشياء أخرى، كيف يبدو شكل الكائن الحي، وكيف يستقبل
metabolize جسمه الطعام أو يقاوم العدوى، وأحياناً يحدد حتى الطريقة التي
يتصرف بها.