بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
،،يـــــــــأتي على الناس زمان القابض على ديـــــــــنه كالقابض على الجــمر"
تأملوا شرح السعدي للحديث،،
تأملوا هذا الكلام الذي كتبه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي
قبل 65 سنة فيشرح حديث "القابض على دينه"
وقدتوفي رحمه الله عام 1376 هـ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .
أما بعد:
فقد أعجبني ما كتبه العلامة ابن سعدي _رحمه الله_ ـ
في شرح هذا الحديث، وهو آخر حديث في كتابه النفيس
"بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار"
الحديث التاسع والتسعون
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر))رواه الترمذي .
وهذاالحديث أيضايقتضي خبراوإرشادا .
أما الخبر
، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبرأنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه ، ويكثر الشر وأسبابه ، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل ، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة ، كحالةالقابض على الجمر ، من قوة المعارضين ، وكثرة الفتن المضلة ، فتن الشبهات والشكوكوالإلحاد ، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها ، ظاهرا وباطنا ،وضعف الإيمان ، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد .
ولكن المتمسك بدينه ، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين ، وأهل الإيمان المتين ، من أفضل الخلق ، وأرفعهم عند الله درجة ، وأعظمهم عنده قدرا .
وأماالإرشاد، فإنه إرشاد لأمته ،أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة ، وأن يعرفوا أنه لا بد منها ، وأن من اقتحم هذه العقبات ، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات ، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه ، فإن المعونة على قدر المؤونة .
وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم ، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، إيمان ضعيف ، وقلوب متفرقة ، وحكومات متشتتة ، وعداوات وبغضاء باعدت بينالمسلمين ، وأعداء ظاهرون وباطنون ، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين ، وإلحاد وماديات ، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان ، ودعايات إلى فسادالأخلاق ، والقضاء على بقية الرمق .
ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم ، وأكبر همهم ، ولها يرضون ويغضبون ، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة ، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا ، وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله ، وبكل ما ينسب إليه ، وفخر وفخفخة ، واستكبار بالمدنيات المبنيةعلى الإلحاد التي آثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد .
فمع هذه الشرور المتراكمة ،والأمواج المتلاطمة ، والمزعجات الملمة ، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث .
ولكن مع ذلك ، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله ، ولا ييأس من روح الله ،ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة ، بل يكون متلفتا في قلبهكل وقت إلى مسبب الأسباب ، الكريم الوهاب ، ويكون الفرج بين عينيه ، ووعده الذي لايخلفه ، بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات .
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال : " لا حول ولا قوةإلا بالله"
و"حسبنا الله ونعم الوكيل . على الله توكلنا . اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى . وأنت المستعان . وبك المستغاث . ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم "
ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة . ويقنع باليسير ، إذا لم يمكن الكثير . وبزوال بعض الشر وتخفيفه ، إذاتعذر غير ذلك :
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَحَسْبُهُ}،
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}الطلاق : (2 ، 3 ، 4)