*** ** الأرحام هم مَن ترتبط بهم بصلة القرابة والنسب، وهم على الترتيب التالي: الآباء والأُمّهات، والأجداد والجدّات، والإخوة والأخوات، والأعمام والعمّات، وأولاد الأخ، وأولاد الأُخت، والأخوال والخالات، ثمّ من يليهم من الأقرباء، الأقرب فالأقرب، ثمّ بالمصاهرة. والقرابة تقسم إلى قسمين: القرابة من جهة الأب، وتدعى عصبة، والقرابة من جهة الأُم وتدعى أرحام، فالعطف والطاعة واجب للعصبة والارحام، ولكنّه للأرحام أشدّ وجوباً؛ ذلك لأنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) شدّد على خدمة ذوي الأرحام، وحذّر من القصور في واجبهم.
ولمّا كان الأب والأُم يمثلان العصبة والارحام، أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بإحترام الأُم أكثر من إحترام الأب،
فقال: أُمّك، أُمّك، أُمّك، ثمّ أباك، ثمّ أدناك فأدناك، وعلى هذا فالعناية بالرحم واجبة.
ولذا أمر الإسلام بصلة الرحم، ويعني به كلّ أُنثى لا يجوز العقد عليها، بل ويشمل الأمر بصلة الرحم، جميع الذين تربط الشخص بهم رابطة النسب.
والحكمة من تحريم الارحام قدّسها الإسلام قبل أن تخطر في بال أقطاب الطبّ الحديث، وقد جاءت أيضاً في التوراة صريحة، إذ نرى فيها هذا الأمر مشروحاً بجلاء، ولم تأت في الإنجيل، إعتماداً على شرحها في التوراة.
وقد اتّفق بتحريم ذوات الارحام جميع الأُمم، لكنّ القرآن والإنجيل والتوراة أعلنوا هذا التحريم وجعلوه قطعيّاً، وقد سرى هذا التحريم – ولا يزال سارياً – لدى جميع الطوائف المشتقّة من الإسلام.
- صلة الرحم في القرآن الكريم:
يكفي أنّ القرآن يوجّه جميع الناس إلى إحترام رابطة القرابة الرحميّة،
فيقول: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ) (النساء/ 1)، أي يذكّر الناس بأنّهم يعودون لأب واحد وأُم واحدة، كما جاء هذا صريح في القرآن.
وهذا توجيه إلى إحترام الرابطة الإنسانيّة ولو بعدت الأنساب وتعدّدت الألوان واللغات واللهجات.
على أنّ التوجيه إلى خدمة ذوات الارحام يعود بفائدة كبرى على صفاء المجتمع، ويؤدي إلى الإحترام المتبادل والتعاون الذي أمر الله به بين جميع الناس، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13).
إنّ تسمية القرابة في الشرع أرحاماً لسببين:
الأوّل: لإشتقاق الرحم من اسم الرحمن، ونلاحظ أنّ هذا الإشتقاق يشمل الرحمة والعطف والحنان، نحو من له حقّ (الصلة) من ذوي القرابة والنسب.
الثاني: لإنحدار القرابة من الأصل الذي ينتمي إليه الإنسان: وهو الرحم الذي هو في الأصل مكان تكوين الجنين في بطن أُمّه، ثمّ استعير لقباً للقرابة، لكونهم خارجين من رحم واحدة.
أمر الله عزّوجلّ بصلة الأرحام، وجعلها من خصال أهل الإسلام الذين وعدهم الله بالجنّة، لأن صلة الأرحام حاجة فطريّة، وضرورة إجتماعيّة، تقتضيها الفطرة الصحيحة وتميل إليها الطباع السليمة.
وتجب مواصلة الرحم بالتوادد والتناصح، والعدل والإنصاف، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبّة، والنفقة على القريب، وتفقّد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم.
ومن صلة الرحم إبتداء زيارتهم، وتتأكّد عند المرض أو الحاجة، ومنها تقديمهم على غيرهم في إجابة دعوتهم، والبدء بهم في الدعوة والضيافة، وكذلك إيثارهم بالإحسان والصدقة والهدية، ودعوتهم وتوجيههم إلى الخير قبل جميع الناس تحقيقاً
ومن صلتهم التلطّف بهم، ولين الجانب لهم، وإظهار محبّتهم، والإجتهاد في إيصال كفايتهم، خصوصاً عند حاجتهم، وكذلك المبادرة إلى صلحهم عند اختلافهم، والتأليف بينهم
وإعانتهم على البرّ والتقوى، وتحذيرهم من الإثم والبغي والعدوان لكلّ ما يؤدي إلى القطيعة وفساد الدين وإفساد ذات البين.
والمعنى الجامع للصلة: أنّها إيصال ما أمكن من الخير إليهم، ودفع ما أمكن من الشرّ عنهم بحسب الوسع والطاقة، وبحسب منزلة الشخص وحالة ومناسبة صلته،
وذلك على حسب طاقة الإنسان: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا...) (البقرة/ 286).
إنّ صلة الرحم إبتغاء وجهه، أثر من آثار التقوى المباركة، وعلامة من علامات تمكّنها من القلوب، وهي من أحبّ الأعمال إلى الله لأنّها من آثار التوحيد، ولذلك قرنت به في الذكر، وعلى أنّ قطيعة الرحم من علامات نقصه، ولذلك ذكرت بعد الشرك الذي هو أكبر الكبائر.
من كلّ هذا نستنتج أنّ صلة الرحم عمل صالح مبارك، يجلب لصاحبه الخير في الدنيا والآخرة، ويجعله الله مباركاً أينما كان، ويبارك الله في كلّ أحواله وأعماله، عاجلاً وآجلاً.
فواصل الرحم موصول من الله تعالى بكلّ خير في حياته، في دينه ودنياه وفي آخرته، بكريم الجزاء وعظيم الأجر والرضوان من الله تعالى.
ولذي الرحم القريب – غير المسلم – حقّ الصلة، مراعاة لقرابته، وخصوصاً والدي الإنسان، فإنّ حقّ الصلة بهما والإحسان إليهما حتى ولو كان غير مسلمين.
فقد أمر الله عزّوجلّ بالشكر للوالدين بعد شكره ومصاحبتهما بالمعروف حتى ولو كانا مشركين، ولكن لا يتبعهما بالباطل. وما ذلك إلا لعظيم حقّ الوالدين على ولدهم. ولذي الرحم بعيد النسب حقّه من الصلة أيضاً في المناسبات.
- الأحاديث الشريفة وقطيعة الرحم:
من نعم الله على عبده أن يكون ذو رحمه مواصلين له، مقدّرين لصلته، شاكرين لإحسانه، كافين لآذاهم عنه؛ لأن ذلك ممّا يعين على الخير، ويشجّع على البرّ والصلة.
ولكن قد يجد بعض الناس جفاء من ذوي رحمه، حيث يتعمّدون قطيعته، ولا يقبلون إحسانه، ولا شكّ أنّ ذلك من البلاء العظيم، ينبغي للحريص على صلة رحمه أن يصبر عليه ويصله رغم قطيعته، طمعاً في حسن العاقبة.
قال تعالى: (... إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف/ 90). وقال سبحانه أيضاً: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10).
والقصد من صلة الرحم هو الإحتساب والرغبة في الأجر وليس المجاملة، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم):
"ليس الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
وقال (صلى الله عليه وسلم): صل من قطعك، وأعطِ من حرمك، وأعرض عمّن ظلمك.
وذوو أرحام الإنسان أولي بخيره وبرّه، وعطفه وإحسانه، لقرابتهم منه، لقوله تعالى: (... وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ...) (الأنفال/ 75). وسأل رجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأولى الناس ببرّه أو حسن صحبته، فقال (صلى الله عليه وسلم): أُمّك، ثمّ أباك، ثمّ أدناك أدناك، فيعطي كلّ بحسب حاله من الصلة شرعاً، فيكون في ذلك عظيم الأجر ووافر الخير. (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ...) (الرعد/ 21). ومن ذلك صلة الرحم، فيجمع شمل ذوي الأرحام المؤمنين المتواصلين في الدنيا وفي الجنة حيث تقرّ أعينهم، وتطيب قلوبهم، فيتلذّذون بنعمة الإجتماع بالأحباب. قال الله تعالى: (... أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد/ 22-24).
- أضرار قطيعة الرحم:
قطيعة الأرحام من كبائر الذنوب التي توعّد الله مرتكبها بألوان من الوعيد والعقوبات العاجلة في الدنيا والآخرة. فقاطع الرحم مقطوع من الله جلّ شأنه،
قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): ما من ذنب أحرى أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم.
فقطيعة الأرحام من أسباب طمس القلوب، وعمى البصائر، والحرمان من العلم النافع، واللعنة على من قطع الرحم، وسوء العقاب.
قال جلّ وعلا: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد/ 22-24). وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال: إذا ظهر القول، وخزن العمل، وائتلفت الألسن، وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم. وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضاً: "لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم".
- نتائج صلة الرحم:
فحيث قام الإنسان بصلة رحمه بالبر والإحسان وأنواع الخير، فإنّ الله الرحمن لكريم يصله من رحمته وإحسانه بكثرة في ماله وامتداد في عمره.
ولعلّ من أهمّ أسباب ذلك ما يحصل للواصل لرحمه من الدعاء الصالح والثناء الجميل من الأقارب وصالح المؤمنين، وقوّة البدن والعزم على فعل الخير. وقال الإمام عليّ (رضي الله عنه): من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعاً: من وصل رحمه طال عمره، أحبّه أهله، وسّع عليه في رزقه، دخل جنّة ربّه.
والخلاصة: عندما يضع المربّي بين يدي الولد هذه الفضائل التي تنال من يصل رحمه، فلا شكّ يندفع بكليّته إلى محبّة أقربائه، وصلة أرحامه، فيعرف لهم فضلهم، ويؤدّي إليهم حقّهم، فهذا غاية في البرّ.
وما أحوجنا إلى مربّين يعلّمون الأولاد هذه الحقائق حيث تكبر دائرة الحقوق في المجتمع، في حدود الوالدين ثمّ في حدود القرابة.
2- صلة الرحم تزيد في العمر، وتوسّع في الرزق. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): مَن أحبّ أن يبسط له في رزق وينسأ له في أثره (يزداد في عمره) فليصل رحمه. 3- صلة الرحم تدفع عن الواصل ميتة السوء. يقول (صلى الله عليه وسلم): إنّ الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر، ويدفع بهما ميتة المكروه والمحذور. 4- صلة الرحم تغفر الذنب، وتكفّر الخطايا. أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجل، فقال: إنّي أذنب ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ فقال: هل لك من أُمّ؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرّها. 5- صلة الرحم ترفع الواصل يوم القيامة. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ألا أدلّكم على ما يرفع الله به الدرجات؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.
6- صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر. قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "مَن كان لا يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه".
بسـم الله الرحمـن الرحيــم السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته بَارَك الْلَّه فِيْك عَلى مَوْضُوْع الْرَّائِع والْمَعْلُوْمَات الْقَيِّمَة الَّتِي زَادَتْنَا عِلْمَا و افَادَة واصل تميزك و تألقك في منتدانا الرائع