بسم الله الرحمن الرحيم
كشف 13 شبهة في التوسل
يستدل
المجيزون للتوسل البدعي بأدلة وهي لا تخلو إما أن تكون صحيحة ولكن
الاستدلال بها باطل وإما أن تكون دالة على المقصود ولكنها غير صحيحة.
وإليك هذه الأدلة مع بيان وجه بطلان الاستدلال بها :
1- حديث استسقاء عمر بالعباس : حيث قال عمر (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون) رواه البخاري .
فقوله
(كنا نتوسل إليك بنبينا) أي كنا نسأله أن يستسقي لنا فيدعو فتنزل علينا
الغيث هذا كان في حياته صلى الله عليه وسلم ومن أمثلته حديث أنس رضي الله
عنه حين سأل رجل رسول الله وهو يخطب الجمعة أن يستسقي للناس فرفع الرسول
صلى الله عليه وسلم يديه ودعا ربه فأغاث الله عباده فلما مات صلى الله عليه
وسلم طلبوا الدعاء من عمه العباس لصلاحه ولمكانه من رسول الله صلى الله
عليه و سلم ولو كان التوسل بالذات أو بالحق أو بالجاه لما كان لتركهم له
معنى لأن جاه النبي صلى الله عليه و سلم لا يزول بالموت ولأنه لا نسبة بين
جاه العباس رضي الله عنه عند الله مع جاه النبي صلى الله عليه وسلم. فلو
كان طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته سائغاً لما عدلوا عنه
أبداً.
2- حديث الضرير:
فقد أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى
فقال ادع الله أن يعافيني قال إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير
فقال ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء
اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك
إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم فشفعه في وشفعني فيه قال ففعل الرجل
فبرأ . رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي حسن صحيح غريب.
وهذا الحديث
ليس فيه حجة على التوسل بالذات وإنما هو من جنس الذي قبله من التوسل بدعاء
النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحد التوسلات المشروعة .
فقد
قال الضرير للرسول صلى الله عليه وسلم (ادع الله أن يعافيني) وقال له
النبي صلى الله عليه وسلم ( إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ) قال
الضرير( فادع ) .
ثم إن قوله ( اللهم فشفعه ) أي اقبل شفاعته لي عندك
والشفاعة لا تكون إلا بطلب وسؤال وقوله (وشفعني فيه) اقبل دعائي في أن
تستجيب لنبيك إذا شفع في عندك . وإذا كانت شفاعة الضرير الدعاء فكذلك شفاعة
النبي صلى الله عليه وسلم له هي بالدعاء له.
أما زيادة ( وإن كانت حاجة
فافعل مثل ذلك أو فعل مثل ذلك ) فهي معلولة لتفرد حماد بن سلمة بها
ومخالفته لشعبة وروح بن عبادة وهما أحفظ من حماد بن سلمة ، وقد تكون مدرجة
من كلام عثمان لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والاعتبار بما رواه
الصحابي لا بما فهمه إذا كان اللفظ الذي رواه لا يدل على ما فهمه بل على
خلافه.
وأما القصة التي وقعت لرجل مع أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه
ودلالة عثمان بن حنيف له أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه
لتقضى حاجته فقد أخرجها الطبراني في الكبير.
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله (ضعيفة منكرة) وأعلها بثلاث علل :
ضعف حفظ المتفرد بها – وهو شبيب بن سعيد ، والاختلاف عليه فيها ، ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث.
3- حديث (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا ..) الحديث ؛ فالجواب عنه من وجهين :
الأول
: ضعف الحديث لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال الذهبي
(مجمع على ضعفه) وقال الحافظ ابن حجر (صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلساً)
والتدليس الذي وصف به من أخبث أنواع التدليس حيث كان يقول حدثني أبو
سعيد فيظن السامع أنه يعني أبا سعيد الخدري وهو قد يعني به محمد بن السائب
الكلبي أحد الكذابين والعياذ بالله.
الوجه الثاني: على فرض ثبوت الحديث
فغاية ما فيه التوسل إلى الله بحق السائلين وحقهم الذي جعله الله حقاً على
نفسه إجابة دعوتهم وإثابتهم على أعمالهم الصالحة وإجابة الدعاء صفة من
صفاته سبحانه فهو إذن توسل بصفة من صفات الله تعالى والتوسل بالصفات توسل
مشروع كما تقدم. وهكذا قل في كل حديث يروى فيه التوسل بحق السائلين أو بحق
العمل الصالح إن ثبت.
4- حديث أنس بن
مالك قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم دعا لها فقال في آخر دعائه (ووسع مدخلها بحق نبيك والأنبياء
الذين من قبلي..) أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط
والجواب عنه من وجهين:
الأول :
ضعف الحديث فقد رواه بهذا اللفظ روح بن صلاح قال ابن حجر: "رويت عنه
مناكير ، ثم قال وقال الدارقطني ضعيف في الحديث وقال ابن ماكولا ضعفوه وقال
ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين وله أحاديث كثيرة في بعضها نكارة. اهـ
الثاني : على فرض ثبوته فهو من التوسل بصفة من صفات الله تعالى الفعلية كما تقدم إيضاحه في الحديث الذي قبله.
5- حديث أمية بن خالد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) وفي رواية (يستفتح ويستنصر) أخرجه الطبراني في الكبير
والجواب عنه من وجهين :
الأول :
ضعف الحديث لإرساله فإن أمية بن خالد لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن عبد البر ( لا تصح صحبته عندي والحديث مرسل ) وفيه عنعنة أبي إسحاق
وكان مدلساً.
الثاني : إن ثبت
الحديث فالاستفتاح هنا معناه طلب الدعاء قال المناوي (أي بدعاء فقرائهم
الذين لا مال لهم تيمناً بهم ولأنهم لانكسار خواطرهم يكون دعاؤهم أقرب
للإجابة ).
6- حديث عمر مرفوعا (لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي..) الحديث رواه الحاكم .
وهو حديث باطل مداره على عبد الرحمن بن زيد وهو متهم بوضع الحديث قال الذهبي معقبا على قول الحاكم صحيح الإسناد ( بل موضوع )
وقال
شيخ الإسلام ( ورواية الحاكم لهذ الحديث مما أنكر عليه فإنه نفسه قد قال
في كتاب المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى
عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها
عليه ).
7- حديث ابن عباس سألت النبي صلى الله
عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال ( سأل بحق محمد وعلي
وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عليه ) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات
الجواب :
هذا الحديث لا يصح سنداً ولا متناً
أما
السند فهو من رواية حسين الأشقر عن عمرو بن ثابت أبي المقدام وحسين بن
الأشقر قال فيه أبو زرعة : منكر الحديث، وعمرو بن ثابت: رافضي وضاع قال ابن
حبان يروي الموضوعات وقال أبو داود : رافضي خبيث.
وأما المتن فقد بين
الله تعالى الكلمات التي تلقاها آدم فتاب عليه قال سبحانه {قَالاَ رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (23) سورة الأعراف
8- حديث ( توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ) ؛؛ ( إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ) .
هذا
حديث لا أصل له قال شيخ الإسلام ( وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب
المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث
).
9- حديث أبي أمامة ( أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك ) رواه الطبراني في الكبير.
ولا يثبت قال الهيثمي في المجمع : فيه فضال بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه.
10- أثر مالك الدار أن رجلاً جاء قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا
رواه ابن أبي شيبة من طريق أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر على الطعام.
وهذا
الأثر على فرض صحة سنده لا يحل الاستدلال به على جواز سؤال الموتى شيئاً ،
ولا التوسل بهم ، لأن الرجل صاحب الرؤيا مجهول ولا يستدل بفعل مجهول ، وإن
قيل قد روى سيف في مغازيه بأن صاحب الرؤيا بلال بن الحارث وهو صحابي قلنا
سيف ضعيف باتفاق ، وعلى فرض أنه صحابي فهو عمل خالفه فيه الصحابة وعمل
المسلمين فإن الله شرع لنا عند الجدب أن ندعوه لا أن نأتي القبور.
ومع
ذلك فالسند فيه نظر لأن مالك الدار وإن روى عنه اثنان وولاه عمر على بيت
المال فلا يكفي ذلك في قبول روايته لعدم العلم بضبطه فإن الرجل قد يكون
أميناً ولكنه لا يحسن نقل العلم إذ ليس هو من شأنه ، فكيف إذا تضمن خبره
توسلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وقد علم بالأدلة المتكاثرة
بطلانه شرعاً فهذا كله يضعف الخبر ويقضي برده أو يكاد .
11- أثر عائشة أنها أمرت بفتح كوة من الحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم ففعلوا فسقي الناس . رواه الدارمي[16]
والجواب من وجوه:
الأول :
عدم صحة الخبر فيه أبو النعمان عارم اختلط في آخر عمره ، وأبو الجوزاء أوس
بن عبد الله لم يسمع من عائشة ، وعمرو بن مالك النكري قال ابن حجر صدوق له
أوهام ، وسعيد بن زيد قال ابن حبان : كان صدوقاً حافظاً ممن كان يخطئ في
الأخبار ويهم حتى لا يحتج به إذا انفرد.
فحق لشيخ الإسلام أن يقول ( ليس بصحيح ولا يثبت إسناده )
الثاني:
نكارة متنه قال شيخ الإسلام ابن تيمية عقب قوله الآنف الذكر : (ومما يبين
كذب هذا أنه في مدة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقياً كما كان على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم الله بعضه مسقوف وبعضه مكشوف وكانت الشمس تنزل
فيه..ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد في المسجد)
الثالث :
لو ثبت فليس فيه توسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولا بجاهه ولا بحقه
قال شيخ الإسلام ( وإنما فتحوا على القبر لتنزل الرحمة عليه ) أي لو صح .
الرابع : أن هذا اجتهاد من عائشة رضي الله عنها والاجتهاد يصيب ويخطئ والعبادات مبناها على التوقيف .
12- أن اليهود كانوا يستفتحون بمحمد في قتالهم لغطفان يقولون (اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي..) فيهزمونهم .
والجواب عليه من وجوه كثيرة نكتفي بثلاثة منها :
الأول :
عدم ثبوته فقد أخرجه الحاكم من رواية عبد الملك بن هارون بن عنترة وقال
(أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير وهو غريب من حديثه ) قال الذهبي: قلت
لا ضرورة في ذلك فعبد الملك متروك هالك.
الثاني :
أن القرآن قد بين أن اليهود قد ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا فلم يعرف
عنهم انتصار على العرب ولا على غيرهم بأنفسهم إنما كانوا يحالفون غيرهم وما
سلطوا في هذه الأزمان إلا بسببين بعد المسلمين _ في الغالب عن دينهم _
والثاني تحالفهم مع الملاحدة والنصارى المتصهينين ممن أوتوا من أسباب القوة
ما أوتوا مما هو معلوم .
الثالث :
لو ثبت أنهم كانوا ينتصرون إذا استفتحوا بهذا الدعاء فليس فيه دليل على
مشروعية التوسل بالحق فالله عز وجل قد يقص علينا من أخبار الأمم ما ورد
شرعنا بخلافه ومنه قوله تعالى في شأن إخوة يوسف وأبويه {وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا } (100) سورة يوسف
ومثل قوله تعالى في شأن أهل الكهف { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى
أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} (21) سورة الكهف وحيث لم
يثبت ما يدل على مشروعية التوسل بالحق أو بالجاه أو بالذات فالأصل منعه
وبالله التوفيق .
13- قول مالك لأبي جعفر (
ولم تصرف وجهك عنه أي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم_ وهو وسيلتك ووسيلة
أبيك آدم عليه السلام بل استقبله واستشفع فيه فيشفعه الله فيك ). أخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريق ابن حميد قال ناظر أبو جعفر .. فذكر الخبر .
والجواب :
أن هذا الخبر لا يثبت بل هو مفترى على الإمام مالك رحمه الله قال شيخ الإسلام
(
وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً و لا سيما في
زمن أبي جعفر المنصور فإن أبا جعفر توفي سنة 158هـ وتوفي مالك سنة 179هـ
وتوفي ابن حميد سنة 248هـ ولم يخرج من بلده في طلب العلم إلا وهو كبير مع
أبيه وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث كذبه أبو زرعة وابن وارة ... وفي
الإسناد المذكور أيضاً من لا تعرف حاله.) اهـ
والحمد لله رب العالمين.
بانتقاء وتصرف من "مقالات نافعة في التوسل" للشيخ علي الحدادي حفظه الله