عبـق العيـد
(عيد الأضحى المبارك )
إن للعيد فرحته وسروره وعبيره وحبوره حيث يعيش الإنسان أجمل اللحظات وأصدق المشاعر يحمل بين طياته نسيم الأمل ودفء الأحاسيس وكيف لا وهو يوم تلتقي فيه الأرض بالسماء فيشع ضياء ويفوح عطرا ويجتلي ألقا ويكتسي نضرة وجمالا وحسنا وبهاء وهو من نعم الله تعالى على خلقه وتشريع للفرح والبهجة واللهو المباح ولذلك نهى الله تعالى عن الصوم فيه فقد أخرج البخاري في الصوم رقم 1889 من طريق أبي عبيد مولى ابن زهر قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم " وذلك لأنهما يوما أكل وشرب وفرح وسرور وهذا ما تصرح به الأحاديث الصحيحة فقد أخرج مسلم في الصيام رقم 1142 من حديث كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه أيام التشريق فنادى أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب " قال النووي ( وأيام منى ) هي أيام النحر والتشريق ]
وأخرج أبو داود في الصوم رقم 2419 عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " والترمذي في الصوم رقم 773عن عقبة بمثل أبي داود..وقال: حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون الصيام أيام التشريق
أعياد الأمم السابقة
لقد أشارالقرآن إلى أعياد لأقوام سابقة وهي ثلاثة :
أولاها : عيد قوم إبراهيم . قوله عز وجل ( فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ) الصافات 88-89. وفي تفسير الطبري 21/ 64 عن زيد بن أسلم : أرسل إليه ملكهم، فقال: إن غدا عيدنا، فاحضر معنا، قال: فنظر إلى نجم فقال: إن ذلك النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي، (فقال إِنِّي سَقِيمٌ ) أي إني مطعون، فتركوه مخافة أن يعديهم وكانوا يهربون من الطاعون . وقال ابن كثير في تفسيره 7/ 24 إنما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه ذلك، ليقيم في البلد إذا ذهبوا إلى عيدهم، فإنه كان قد أزف خروجُهم إلى عيد لهم، فأحب أن يختلي بآلهتهم ليكسرها، وعزا مثله إلى الحسن البصري حيث قال : خَرَجَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى عِيدٍ لَهُمْ، وَأَرَادُوا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى الْخُرُوجِ، فَاضْطَجَعَ عَلَى ظَهْرِهِ " فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ " ، لا أَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا خَرَجُوا أَقْبَلَ عَلَى آلِهَتِهِمْ فَكَسَرَهَا" قال قتادة: والعرب تقول لمن تَفكر: نظر في النجوم .
ثانيها : عيد قوم فرعون . قوله تعالى " موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " طه 59 فقد ذكر الطبري في تفسيره 18/ 324 عن ابن جُرَيج( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ) قال: يوم زينة لهم، ويوم عيد لهم( وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) إلى عيد لهم. وقال ابن كثير في تفسيره 5/ 300 وقال السدي، وقتادة، وابن زيد: كان يوم عيدهم . يتزينون ويجتمعون فيه .
ثالثها : عيد عيسى وقومه . قوله تعالى " ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا " المائدة 114 وذلك أن الحواريين قالوا : يا عيسى هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء " فدعا ربه بنزول المائدة من السماء وطلبها أن تكون عيدا لمن في زمانه عند نزول المائدة وتكون عيدا لمن بعده وذلك قوله " عيدا لأولنا وآخرنا " قال ابن جرير في تفسيره 11/ 225 قال ابن جريج قوله:"أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا"، قال: الذين هم أحياء منهم يومئذ ="وآخرنا" ، من بعدهم منهم. وقال : هذا هو الأولى بالصواب .
العيد في الإسلام
أخرج أبو داود بإسناد صحيح في صلاة العيدين رقم 1134 من حديث أنس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال " ما هذان اليومان " ؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر " .
وهذان العيدان أحدهما مترتب على إكمال صيام رمضان فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم و استوجبوا من الله المغفرة و العتق من النار عندها شرع الله تعالى لهم عيدا يجتمعون فيه على شكر الله و ذكره و تكبيره على ما هداهم له و شرع لهم الفرح والبهجة .
والعيد الثاني : عيد النحر و هو أكبر العيدين و أفضلهما و هو مترتب على إكمال الحج فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم و إنما يكمل الحج بيوم عرفة وهو ركن الحج الأعظم و لما كان عيد النحر أكبر العيدين و أفضلهما و يجتمع فيه شرف المكان و الزمان لأهل الموسم كانت لهم فيه معه أعياد قبله و بعده كيوم عرفة وأيام التشريق و كل هذه أعياد لأهل الموسم كما في حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ يوم عرفة و يوم النحر و أيام التشريق عيدنا أهل الإسلام و هي أيام أكل و شرب " و لهذا لا يشرع لأهل الموسم صوم يوم عرفة لأنه أول أعيادهم و لأنهم زوار الله و أضيافه و هذا المعنى يوجد في العيدين و أيام التشريق أيضا فإن الناس كلهم في ضيافه الله عز و جل .
أقول : إن إطلاق العيد على يوم عرفة وأيام التشريق كما تقدم وعلى يوم الجمعة كما في حديث الترمذي في التفسير " سورة المائدة " رقم 3044 من طريق عمار بن أبي عمار قال : قرأ ابن عباس { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } المائدة 3 وعنده يهودي فقال ( لو أنزلت هذه علينا لا تخذنا يومها عيدا ) قال ابن عباس فإنها نزلت في يوم عيد في يوم جمعة ويوم عرفة " قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من حديث ابن عباس وهو صحيح
و قد أخرج البخاري في الأضاحي رقم 5572 من طريق الزهري قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِى فَلْيَنْتَظِرْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ . قال العيني في عمدة القاري 21/ 161 قوله " عيدان " أي الجمعة . ويوم العيد حقيقة , وسمي يوم الجمعة عيدا لاجتماع المسلمين في يوم عظيم لإظهار شعائر الله كيوم العيد , وإطلاقه على سبيل التشبيه .
وقال ابن الهمام في شرح فتح القدير 1/ 423 غلب لفظ العيد لخفته كما في العمرين " أي أبو بكر وعمر " أو لذكورته كما في القمرين " أي الشمس والقمر " وبناء عليه فليس في الإسلام سوى عيدين حقيقة وهما " الفطر والأضحى " أما يوم عرفة وأيام التشريق ويوم الجمعة " فمن باب التغليب والتشبيه .
سبب تسمية العيد
قال القرطبي في تفسيره في سورة المائدة قوله " عيدا لأولنا وآخرنا " 6/ 368 والعيد واحد الأعياد وإنما جمع بالياء وأصله الواو للفرق بينه وبين أعواد الخشب وقد عيدوا أي شهدوا العيد قاله الجوهري.
وقيل: أصله من عاد يعود أي رجع , فقيل ليوم الفطر والأضحى: عيدا لأنهما يعودان كل سنة.
وقال ابن الانباري: سمي عيدا للعود في المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم، ألا ترى أن المسجونين في ذلك اليوم لا يطالبون ولا يعاقبون ولا يصاد الوحش ولا الطيور ولا ننفذ الصبيان إلى المكاتب.
وقال ابن عابدين في حاشيته 2/ 179 سمى العيد بهذا الاسم لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان: أي أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام: منها الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك .
سنن العيد
صلاة العيدين سنة مؤكدة وشعار من شعائر الدين وينبغي أن يراعى فيها عدد من الأمور :
أولا: التكبير .فقد أخرج البخاري معلقا في صلاة العيدين باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة 3/ 526 قال : وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل السوق حتى ترج منى تكبيرا . وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا .
وقد أخرج ابن المنذر أثر عمر موصولا في الأوسط في(جماع أبواب التكبير أيام العيد) رقم 2198 عن عبيد بن عمير قال : كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى.ذكره بمثله)
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف في الصلوات باب(التكبير من أي يوم هو إلى أي ساعة) 2/165- كان علي رضي الله عنه يكبر من صلاة الغداة من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف في الصلوات باب(التكبير من أي يوم هو إلى أي ساعة) 2/165- كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر.
قال ابن حجر في الفتح 3/ 528 قول علي وابن مسعود أصح ما ورد عن الصحابة .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف في الصلوات باب(كيف يكبّر يوم عرفة) 2/168كان ابن مسعود رضي الله عنه يكبر اثنين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ثانيا: الاغتسال . فقد أخرج مالك في الموطأ " برواية الشيباني " ( باب الاغتسال يوم العيدين ) 1/ 128 أن ابن عمر كان يغتسل قبل أن يغدو إلى العيد " قال محمد بن الحسن : الغسل يوم العيد حسن وليس بواجب وهو قول أبي حنيفة رحمه الله . قال النووي في المجموع 5/6 أثر ابن عمر فصحيح . وقال الشافعي في الأم 1/ 385: كان مذهب سعيد بن المسيب وعروة في أن الغسل في العيدين سنة أنه أحسن وأعرف وأنظف وأن قد فعله الصالحون . وروى عن سعيد بن المسيب : أنه كان يغتسل يوم العيدين إذا غدا إلى المصلى . وروى عن عروة بن الزبير قال : السنة أن يغتسل يوم العيدين . وأن سلمة بن الأكوع كان يفعله . قال النووي نقلا عن الشافعي والأصحاب يستحب الغسل للعيدين وهذا لا خلاف فيه والمعتمد فيه أثر ابن عمر والقياس على الجمعة . لمن يحضر الصلاة ولمن لا يحضرها
ثالثا: التجمل للعيد . قال النووي في المجموع 5/ 9 اتفق الأصحاب مع الشافعي على استحباب لبس أحسن الثياب في العيد وقال أصحابنا وأفضل ألوان الثياب البياض فعلي هذا إن استوى ثوبان في الحسن والنفاسة فالأبيض أفضل , وقال أصحابنا ويستوي في استحباب تحسين الثياب والتنظف والتطيب وإزالة الشعر والرائحة الكريهة الخارج إلى الصلاة , والقاعد في بيته لأنه يوم زينة فاستووا فيه. قال الشافعي في الأم 1/ 388 : وأحب أن يلبس الرجل أحسن ما يجد في الأعياد : الجمعة والعيدين ومحافل الناس ويتنظف ويتطيب .
وقال ابن عابدين في حاشيته 2/ 162 يستحب في الجمعة والعيدين لبس أحسن الثياب. ويستحب الأبيض . فقد روى البيهقي في السنن الكبرى في باب زينة العيد رقم 5938 بإسناد صحيح أن بن عمر : كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه " ذكره ابن حجر في الفتح 3/ 494 وصححه .
أقول : هذا مطلب شرعي مستمد من قوله تعالى " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين . قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " الأعراف 31-32. وهو من أثر نعمة الله على عباده . وبناء عليه فإن قول البعض " ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعته تزيد " غير صائب. وبناء على ما تقدم نقول " العيد لمن لبس الجديد ولمن طاعته تزيد . ويدخل في هذا المطلب الأطفال أيضا فقد قال الشافعي في الأم 1/ 388 ويلبس الصبيان أي يوم العيد أحسن ما يقدرون عليه ذكورا أو إناثا ويلبسون الحلي والصيغ.
رابعا: التهنئة بالعيد " قال الحافظ في الفتح 3/ 503 : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك " وقال صاحب الفواكه الدواني في المذهب المالكي 3/244 : سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن قَوْلِ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ يَوْمَ الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك ، غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَك , فَقَالَ : مَا أَعْرِفُهُ وَلَا أُنْكِرُهُ .قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : مَعْنَاهُ لَا يَعْرِفُهُ سُنَّةً وَلَا يُنْكِرُهُ عَلَى مَنْ يَقُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّاسِ لِبَعْضِهِمْ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ : عِيدٌ مُبَارَكٌ ، وَأَحْيَاكُمْ اللَّهُ لِأَمْثَالِهِ ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ كُلِّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِإِظْهَارِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ لِبَعْضِهِمْ ، وقال ابن مفلح في الفروع 3/137 وَلَا بَأْسَ قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ : " تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك .نسأل الله تعالى أن يعيده علينا وعليكم بالخير والمسرة والمحبة وكل عام وأنتم بخير .
بقلم الدكتور محمد نور العلي .