عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال
( كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي
الشَّرَابِ ثَلَاثًا ، وَيَقُولُ : إِنَّهُ أَرْوَى ، وَأَبْرَأُ ،
وَأَمْرَأُ ) رواه مسلم (رقم/2028)
وتفسير
أهل العلم لهذا الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يشرب ما
يحتاجه من الماء على ثلاث دفعات ، فيشرب جزءا ، ثم يبعد الإناء عن فمه
ليتنفس ويخرج زفيره خارج الإناء ، ثم يعود فيشرب جزءا آخر ، ثم يبعد
الإناء عن فمه الشريف صلى الله عليه وسلم ، ليأخذ نفسا ثانيا كما فعل في
المرة الأولى ، ثم يعود ليشرب الجزء الثالث حتى يرتوي ويأخذ حاجته من
الشراب .
فقول
أنس رضي الله عنه في وصف شرب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان (
يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا ) يعني أنه كان يتنفس أثناء الشراب ،
لكن إخراج هذا النفس إنما يكون خارج الإناء ، كما بين ذلك الإمام النووي
رحمه الله ، ثم فسر رحمه الله معاني كلمات الحديث الأخرى فقال :
( أروى ) من الرِّي : أي : أكثر رِّيا .
( وأبرأ ) أي : أبرأ من ألم العطش ، وقيل : ( أبرأ ) أي : أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفَس واحد .
( وأمرأ ) أي : أجمل انسياغا .
" شرح مسلم " (13/199)
وهناك
حديث آخر يوضح الحديث السابق ، وفق ما مر معنا في شرحه ؛ فقد روى أبو
هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(
إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ ، فَإِذَا
أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيُنَحِّ الْإِنَاءَ ، ثُمَّ لِيَعُدْ إِنْ كَانَ
يُرِيدُ )
رواه ابن ماجة (رقم/3427) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/386)
قال ابن القيم رحمه الله :
" معنى تنفسه في الشراب : إبانته القدح عن فيه ، وتنفسه خارجه ، ثم يعود إلى الشراب .
وفى هذا الشرب حِكَم جَمَّة ، وفوائد مهمة ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على مَجامعها بقوله : ( إنه أروى ، وأمرأ ، وأبرأ ) ؛
فأروى : أشد رِيَّا وأبلغه وأنفعه . وأبرأ : من البرء ، وهو الشفاء ،
أي : يبرىء من شدة العطش ودائه ، لتردده على المعدة الملتهبة دفعات ،
فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه ، والثالثة ما عجزت الثانية عنه ،
وأيضا فإنه أسلم لحرارة المعدة ، وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة ،
ونهلة واحدة ؛ فإنه لا يروي لمصادفته لحرارة العطش لحظة ، ثم يقلع عنها ،
ولما تكسر سورتها وحدتها ، وإن انكسرت لم تبطل بالكلية ، بخلاف كسرها على التمهل والتدريج .
وأيضا
فإنه أسلم عاقبة ، وآمن غائلة من تناول جميع ما يروي دفعة واحدة ، فإنه
يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية بشدة برده ، وكثرة كميته ، أو يضعفها
فيؤدى ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد " انتهى باختصار.
" زاد المعاد " (4/230)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" يؤخذ من ذلك : أنه أقمع للعطش ، وأقوى على الهضم ، وأقلُّ أثرًا في ضعف الأعضاء وبرد المعدة "
" فتح الباري " (10/94)
وقال ولي الله الدهلوي :
"
المعدة إذا وصل إليها الماء قليلا قليلا صرفته الطبيعة إلى ما يهمها ،
وإذا هجم عليها الماء الكثير تحيرت في تصريفه ، والمبرود إذا ألقى في
معدته الماء أصابته البرودة لضعف قوته من مزاحمة القدر الكثير ، بخلاف ما
إذا تدرج ، والمحرور إذا ألقى على معدته ماء دفعة حصلت بينهما المدافعة
ولم تتم البرودة ، وإذا ألقى شيئا فشيئا وقعت المزاحمة أولا ثم ترجحت
البرودة " انتهى.
" حجة الله البالغة " (2/292) .
وينظر كلام مهم لبعض الباحثين المعاصرين حول هذه المسألة في كتاب "
" روائع الطب الإسلامي " ، تأليف الطبيب محمد نزار الدقر (2/33-34) ترقيم الشاملة .
وقد
اتفق أهل العلم على كراهة أن يتنفس الشارب داخل إنائه ، فيصيب نفسه الماء
الذي يشرب منه فيتقذر به ، وقد ورد النهي صريحا عن ذلك في حديث أبي قتادة
رضي الله عنه
( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ ) رواه مسلم (رقم/267)
________________________________________
اللهم صلي علي سيدنا محمد عدد من صلي عليه وصلي علي سيدنا محمد بعدد من لم يصلي عليه واله وصحبه وسلم