[b] . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإساءة اللفظية قنبلة موقوتة تزعزع استقرار شخصية الطفل
ينتهج بعض الآباء والأمهات أساليب تربوية قاسية تجاه
أبنائهم، كاستخدام الألفاظ النابية والمهينة بشكل مستمر، دون الوعي بما
يترتب عن سلوكهم من آثار سلبية، وذلك بغرض تعنيف الطفل أو تحفيزه، ما يؤثر
سلبا على نفسيته، ويزيد من ميولاته العدوانية وحاجته للعزلة والانطواء وعدم
الرغبة في الاحتكاك والتعامل مع الآخرين، بسبب خوفه الدائم من ردة فعل أحد
الوالدين القاسية
يلجأ الطفل المعنف عادة إلى التعبير عن رفضه لأسلوب
المعاملة هذه من خلال استخدام العنف ضد زملائه والأشخاص المحيطين به أو ضد
نفسه، في محاولة للهروب من إحساسه بالضعف، ناهيك عما تتسبب فيه الإساءة
اللفظية المتكررة من مشاكل نفسية عديدة، على رأسها فقدان الثقة بالنفس
والشعور بالنقص والصراع النفسي الدائم الذي يقع الطفل ضحية له لخلق نوع من
التوازن الداخلي، وذلك بالتنفيس عن كتلة الغضب الكامنة في أعماقه·
للخوض في هذا الموضوع وجب الأخذ بعين الاعتبار رأي
الشارع حول هذا السلوك الممارس من طرف بعض الأولياء، وكذا آراء مختصين في
علم النفس التربوي وعلم الاجتماع، للغوص في الأسباب والنتائج والسبل
الكفيلة بتغيير اعتماد بعض الآباء والأمهات الإساءة اللفظية كمنهاج للتربية
والتنشئة الاجتماعية·
آباء يستخدمون ألفاظا مشينة بغرض التربية وآثارها خارج نطاق السيطرة
يرى البعض ممن تحدثت إليهم من الآباء والأمهات، أن
استخدام الإساءة اللفظية مع الطفل لا يكون الهدف الحقيقي من ورائها التطاول
على الطفل وخدش أحاسيسه، وإنما الهدف منها التحفيز على الدراسة وتربيته
على الطاعة والالتزام بتنفيذ الأوامر· فالغرض منها في نظر غالبيتهم تأديبي
محض· تقول السيدة ....، 43 سنة، إنها لا تتعمد استخدام الألفاظ القاسية في
معاملتها لابنتها البالغة من العمر 12 سنة، غير أن طيش ابنتها وعنادها
الدائم لها يدفعها للتلفظ ببعض الكلمات الجارحة كـ''حمارة، غبية، حابسة''،
وما إلى ذلك من الصفات والكلمات التي كثيرا، تقول ذات السيدة ''ما أتفوه
بها جراء نوبة غضب عارمة''·
وتضيف قائلة إنها مع مرور الوقت لم يعد هذه الأسلوب يجدي نفعا ''بل أصبحت
ابنتي سليطة اللسان وتتعمد في بعض المرات مضايقتي وكذا استخدام الألفاظ
التي كنت أوجهها لها ضد أختها الأصغر منها سنا''·
ويقول ....، 16 سنة، إن الأسلوب السيئ للمعاملة المتبع من طرف والده الذي
يهينه ويشتمه بسبب أو من دونه، أثّر سلبا على تحصيله الدراسي، حيث أصبح
يميل إلى استخدام العنف ضد زملائه والمحيطين به بشكل لا إرادي، ومع مرور
الوقت زاد تشبثه بالنزعة العدوانية التي حققت له، حسب قوله، أهدافا ومكاسب
سلطوية·
وتقول السيدة .....، 34 سنة، إن ابنها وليد البالغ من العمر 8 سنوات سليط
اللسان مع الجميع، سواء كان ذلك داخل المنزل مع إخوته الأكبر منه سنا أو مع
الأقرباء والغرباء، حيث يتلفظ بكلمات سيئة ومحرجة أحيانا لا تتناسب وسنه،
وغالبا ما يتفوه بكلمات لا يعي معناها الحقيقي، بالإضافة إلى تصرفاته
العدوانية داخل البيت وفي المدرسة، ما دفعها إلى استشارة أخصائية علم النفس
على مستوى المدرسة للبحث عن الأسباب الكامنة خلف تصرفاته غير اللائقة،
فاكتشفت أن تسلط أحد أبناء الحي ممن يلهو معهم جعله ينتهج نفس السلوك
كأسلوب للدفاع عن نفسه·
الطفل العدواني ضحية الإساءة اللفظية الممارسة ضده
وفي هذا الخصوص تقول الأخصائية في علم النفس التربوي
على مستوى ثانوية ..............، إن الإساءة اللفظية ضد الأطفال هي أحد
أبرز المشاكل الاجتماعية التي تؤثر سلبا في سلوك ونفسية الطفل·
وتضيف أنها تولّد لديه مشاعر الكره والبغض وحب
الانتقام والعدوانية المفرطة، فضلا عما يترتب عنه من ترسبات نفسية مختلفة
كالخوف والجبن والرغبة في الانطواء، وفي كلتا الحالتين تجعل منه إنسانا غير
سويّ ينتهج سلوكيات وتصرفات سلبية تنعكس على حياته وتواصله داخل المجتمع
وأكدت المتحدثة أن العديد من التقارير المدرسية التي
تم اتخاذها كعينات للدراسة على مستوى الجامعة، تشير إلى أن أكثر مشاكل
العنف بين الطلاب كانت بسبب السخرية والاستهزاء، وتسلط الكبار منهم على
الصغار، ولا تقتصر آثار الإساءة اللفظية على التأثير على تصرفاتهم، وإنما
تشمل كذلك تصرفاتهم الاجتماعية والأخلاقية في المحيط الأسري والاجتماعي،
وتتمثل في أشكال متعددة للعدوانية، وهي سلوكيات مترتبة عن فقدان الثقة
بالنفس والإحساس بالقهر والدونية· فالجدير بالأولياء عدم اتباع ذلك كمنهاج
تربوي تهذيبي وأسلوب حياة للتعامل مع الأبناء، فالتربية والتهذيب لا تؤتي
ثمارها بالسباب والعنف، وإنما بالتوجيه الصحيح وتفعيل لغة الحوار بين
الأبناء والآباء واحتواء طيشهم وتوجيههم وتفهم احتياجاتهم [/size]