تنبيه اولا : القران هو كلام الله نحن نعلم ذلك الشيء الذي اريد منكم الا تزجعوا عندما اكتب بفتح الحاء .. الخ انما هو لتوضيح لكي تكون القراة لكلام الله صحيحة فقط تقبلوا من اخوكم فائق التقدير والاحترام
هي من السور المدنية تماما كسائر سور جزء "قد سمع" عدد آياتها ثلاث عشرة، و اسمها "الممتحنة" بفتح الحاء وكسرها أيضا، وكلا وجهي القراءة صحيح وموضوعها الجوهري تحريم الموالاة للمشركين وإلقاء المودة إليهم على حساب الإيمان ومتطلباته ومقتضياته مع الدعوة إلى الكف عن منابذتهم ومقاتلتهم إذا هم كفوا عن مقاتلة المؤمنين في الدين وعن إخراجهم من ديارهم ومظاهرة من يفعل ذلك بهم، فإن لم يكفوا عن كل ذلك وجب قتالهم، وفي السورة بيان للموقف الصحيح من قضية الموالاة في الله والمعاداة فيه من خلال قصة إبراهيم والذين معه من قومهم وبراءتهم منهم كما فيها إفاضة في الحديث عن امتحان النساء المؤمنات المهاجرات وعدم إرجاعهن إلى الكفار ودار الكفر وعن مبايعتهن للإسلام في دار الإسلام.
وهكذا تكون السورة بيانا ناصعا لقضية من قضايا العقيدة الأساسية وهي الحب في الله والبغض فيه ولا يكمل إيمان مؤمن إلا بهذا الحب الإيماني.
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{.
v التفصيل:
نزلت هذه الآيات الكريمات في "حاطب بن أبي بلتعة البدري" (نسبة إلى معركة بدر الكبرى فقد كان من أبطالها) وحاصل ما وقع منه أنه أرسل إلى صناديد قريش كتابا حملته إليهم امرأة تُدعى "سارة" (وكانت مغنية ونائحة بمكة جاءت إلى المدينة تشكو العوز والفاقة فسدّ خلّتها رسول الله –صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) وفيه: [ من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم] ونزل جبريل يُخبر النبي الكريم بخيانة حاطب، فبعث خيرة فرسانه في أثر المرأة وافتكّوا منها الكتاب وأحضر حاطبا ليسأله عما حمله على ذلك، فقال حاطب:[ والله يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ صحبتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن كنت امرأ مُلصقا في قريش (فقد كان مولى لعبد الله بن حميْد بن عبد العزّى) ولم أكن من أنفسها، وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببتُ –إذ فاتني النسب فيهم- أن أصطنع إليهم يدا يحمي الله بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني]، وصدّقه رسول لله –صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وقبِل عذره وقال لعمر بن الخطاب الذي رأى في صنيع حاطب خيانة عظمى فطالب بقطف وخطف رأسه:[على رسْلك يا عمر فقد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم ...].
في مطلع هذه السورة نهي شديد للذين آمنوا عن اتخاذ الكفار أنصارا وأعوانا بموالاتهم وإلقاء المودة إليهم لأن هذا منافِ لحقيقة الإيمان القاضية بالحب في الله والبغض فيه وبموالاة المؤمن ومعاداة غيره ممّن حادّ الله ورسوله في إصرار وعناد: وفي موالاة العدو معاني النصرة والنجدة، لهذا كانت على المؤمنين حراما، فما ينبغي لمؤمن صادق الإيمان أن يُوالي عدو الله وعدوه فيسارع في مودته والسعي في أسبابها، ذلك أن المودة –إذا حصلت- تبعتها –حتما- النصرة والموالاة، فخرج المؤمن –بيقين- من حزب الرحمان ليصير جنديا في حزب الشيطان وواحدا من أهل الكفران، والسياق في هذا المطلع ينص –بوضوح لا مزيد عليه- على أن الموالاة لعدو الله وعدو المؤمنين يمنعها أمران اثنان:
· الأول: كفرهم الصراح بما نزل وجاء من الحق من عند الله، فقد كفروا بما آمن به المسلمون من الحق المتمثل في القرآن والسنة الصحيحة الصريحة، كافرين بأصل الدين وزاعمين في تبجّح وتوقّح أن أهل الإسلام ضُلاّل وعلى غير هدى.
· و الثاني: هو إخراجهم الرسول وصحبه الكرام من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبودية للمعبود بحق –سبحانه- لا جريرة لهم ولا جُرم سوى هذا، فكيف يُناصَر هذا العدو ويعان ويُسرّ إليه بالمودة وهو قد كفر بالله ورسوله وسعى دوما إلى إطفاء نور الله بفيه وفعله وأخرج أهل الإيمان من ديارهم مشرّدا إياهم من أوطانهم ومستحوذا على أموالهم ناقما عليهم فقط إيمانهم بالله ورسوله وصبرهم المشهود على دينهم وثباتهم الشامخ عليه.
وفي هذا ما فيه من التحفيز والتهييج لأهل التوحيد على عداوة أهل التعديد والجحود ونبذ موالاتهم والمسارعة فيهم بما يُلحق الضرر بالإيمان وأهله، وعلى هذا أيُّ دين وأيّة مروءة وأيّ عقل يبقى لمن مشى في ركاب عدو الله وعدوه وهو يعلم أن هذا العدو لا يألوه خبالا ولا يهدأ –لحظة واحدة- في سبيل الإجهاز على دينه بكل سبيل؟ !! وإن مما يمنع المؤمن من هذا أيضا إعلانـَه بالقول والفعل أنه خرج إلى الله متجردا من كل أواصر القربى وأواخيّ الأرض ابتغاء مرضاة الله، مجاهدا في سبيله ومستعليا عن أوهاق النفس والمادّة ومغريات الدنيا.
والصيغة في السياق تحمل إيحاء بأن من كان كذلك أي خرج من أرضه مجاهدا في سبيل الله ومبتغيا رضا الله وحده لا يمكنه –بحال من الأحوال- أن يقع فريسة للشيطان بموالاة جنده وحزبه من المشاقـّين لله ورسوله والحانقين على أهل الإيمان الناقمين عليهم توحيدهم للواحد الأحد ورضاهم بالجهاد المستبسل لإعلاء كلمته ولو كان في هذا حتفهم وهلاكهم.
وينتهي السياق بما يؤكد ضلال من يفعل ذلك}وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{.
"ومن يفعله منكم" أي من يجعل الموالاة للكفار فقد سلك مسلك الضلال عن منطق الإيمان الحق ومقتضيات عقيدة التوحيد الخالص لرب العالمين ومالَ عن سَنـَن القصد وفسق عن أمر الله ورسوله، ومُحال أن يسير في هذا الطريق من علم –يقينا- أن عدوه هو عدو الله فاعتزّ بهذه النسبة المشتركة بينه وبين ربه –رب العباد ورب كل شيء- فامتنع –في حزم جازم- أن يخون مشاعره الإيمانية التي هي محطّ عين الله، فكيف يُلقي بالمودة إلى العدو وهو يحس إحساسا حيا برقابة الله عليها سواء أسرّها في أطوائه أو جهر بها، فالله يعلم السر والنجوى ولا يخفى عليه شيء من أمور العباد، فأحرى بمن آمن به حق الإيمان أن لا يُرِيَ ربه إلا الصدق والإخلاص في الخلوات والجلوات و المناشط والمكاره والمحابّ والمساخط، وصدق الله حين يقول مستنكرا فعل إلقاء المودة للعداة العتاة:}تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{.
أجتزئ بهذا القدر على أمل السير بكم في لقيانا البصائرية القادمة بإذن الله على هذا السّنَن من رياض سورة "امتحان الإيمان في قلوب ذويه" راجيا المولى العلي القدير أن يُسبغ علينا وعليكم سربال العافية الإيمانية والصحة القلبية.
فإلى الملتقى على هذا المرتقى
العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير
عثمان أمقران