.سنين طويلة مرت بنا منذ أن
كنا صغارا , كانت أجسادنا صغيرة , وقلوبنا طاهرة نقية , ونفوسنا بريئة
شفافة , عشنا بها في رمضان حياة لاتنسى في ذاكرة أيامنا بعد أن طالت بنا
الايام
رمضان في تلك الأيام كان وضيئا في أعيننا , يضفي علينا خبر قربه نوعا جميلا
من البشر والسرور , نوعا متفردا من السعادة , تختلط معانيها وتتلاقى
أصنافها في قلوبنا التي اعتادت أن تتلاقي مع السرور وتتناغم من المحبة
والبسمات .
.جمع غفير من الأطفال , يستشعرون
روعة الآذان عند الفطور , فتسري كلماته بين عروقهم وتنبت بين ضلوعهم معاني
الإيمان منذ الصغر فتتحرك شفاههم مكبرين ومرددين مع المؤذن صيحات الآذان ,
الكل يجري سعيدا عائدا من المسجد فور الصلاة , كل يحاول الفرار من يدي
والده حيث يسبق بخبر الوصول إلى باب المنزل ..[/size]
.كل الشوارع فارغة , لا أحد يفتح
محلا له ولا أحد حتى يقضي شغلا له في الطريق , الكل يسارع ليلحق بأسرته
حيث يجتمع الجميع على الفطور ..[/size]
.كان صوت مدفع الإفطار – برغم
شدته وقوته – صوت يلقي بظلال سعادة غامرة , لم نكن نفزع منه ولم نكن نخاف ,
إنه صوت محبب إلينا حيث معناه الانتصار على الشيطان في لحظة تعلن فيها
موعد الفطور وآذان الصلاة .[/size]
.أذكر أول يوم صوم لنا بينما
حاولت أمهاتنا أن تشجعنا على الصيام حتى العصر فقط رحمة بأجسادنا الصغيرة
التي لم تتعود الصوم حتى المغرب , أيقظتنا أمنا قبل الفجر للسحور , واتفقت
معنا على صوم ذلك اليوم , وبشرنا والدنا بثواب كبير وهدية عظيمة تنتظرنا
آخر رمضان , وثواب أكبر من الهدية ينتظرنا يوم القيامة .[/size]
.كم كان السحور رائعا , لا تعجب
أنني لازلت استحضر في حلقي حلاوته , برغم تواضعه , إلا أن الفرحة الغامرة
لونته بلون أحلى الأطعمة , وألذ المأكولات , ولازلت أذكر مسارعتي إلى
المياة لأشرب وأشرب وأشرب حتى لايداهمني العطش , لازلت أذكر كم عانيت يومها
من العطش فورا بعد صلاة الفجر , ولم أتصور قدرتي على الاستمرار , لكن الله
قواني , ولم أستطع فقط أن أفي بوعد أمي للصيام حتى العصر بل غافلتها وخرجت
للعب بعيدا عن عينها لأتمم الصوم حتى المغرب ..[/size]
.إن تلك الايام , أنبتت في
قلوبنا شعورا آخر برمضان , حيث غذاؤه للروح يضفي عليها تلك البهجة المحببة ,
لم نكن نعلم عن رمضان سوى كونه أيام سعادة غامرة , ما سر تلك السعادة كلها
التي كانت تغمرنا؟[/size]
.إن شيئا كبيرا قد تغير مع دورة
السنين , صرنا ندفع أنفسنا دفعا في رمضان , صرنا نحتاج إلى من يذكرنا
بحلاوة الصيام , وحلاوة القيام , ومن ينبهنا إلى خطورة التفريط , وأزمة
التواني والغفلة .[/size]
.القلوب الصغيرة , هي منبت
الحكمة , ومبدأ الفكرة , ومنبثق الأمل , فلا أقل من أن نبث فيها تلك
المعاني الإيمانية العظمى , بحب الله , وبتعظيم شعائره , وبتكريم أيامه ,
وبارتشاف معاني فضائلها , وبحب رسوله صلى الله عليه وسلم وأيامه وسيرته ,
ومنهاجه وسبيل حياته ومماته .[/size][/size]