نشرت جريدة "الخبر" في عددها 6242 الصادر يوم الجمعة 21 جانفي 2011 الموافق 16 صفر 1432هـ آراء مجموعة من علماء الجزائر حول الحكم الفقهي في ظاهرة الانتحار التي يلجأ إليها بعض الشباب للتعبير عن احتجاجهم ورفضهم لبعض المظالم التي يعانون منها، و"البصائر" تعيد نشر هذا الموضوع تعميما للفائدة ونظرا للأهمية التي يحظى بها في الأوساط الإسلامية بصفة عامة، وجاء موضوع "الخبر" بقلم الصحفي عبد الحكيم قماز:
أجْمَعَ علماء الجزائر على حِرْمَة إقدام العديد من الشباب الجزائري على الانتحار تحريمًا قطعيًا لأيّ سبب كان، تعبيرًا عن احتجاجهم على الأوضاع المزرية الّتي يعيشونها في حياتهم اليومية، من انعدام الشغل والسكن والحفرة وغيرها، على طريقة الشاب التونسي محمد البوعزيزي، رحمه الله، الّذي أضرم النّار في جسده، مفجّرًا احتجاجات شعبية عارمة في أنحاء تونس، أدّت إلى الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.
الشيخ عبد الرحمن شيبان:
أدعو المسؤولين للبحث عن أسباب الانتحار وإيجاد الحلول والوسائل للقضاء عليها
أكّد فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أنّ ظاهرة الانتحار غريبة عن بلدنا، وهي من كبائر الذنوب. وأرجع أسباب استفحال الظاهرة مؤخّرًا إلى حرمان الشباب من مرافق الحياة السوية، كالشغل والسكن، معتبرًا أنّها مبرّرات واهية، ولا يحق للمسلم أن يعتد بها ليغضب الله عزّ وجلّ.
ودعا رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المسؤولين في الدولة، وحتّى المنظمات الشّعبية، إلى البحث عن أسباب ظاهرة الانتحار وإيجاد الحلول والوسائل للقضاء عليها، مبرزًا في طليعة ذلك دور الأسرة والمدرسة والمسجد والإدارة في حثّ الشباب على الالتزام بشريعة الإسلام والوعي بمضار هذه الآفات الدخيلة على مجتمعنا.
الشيخ الطاهر آيت علجات:
قتل النّفس حرامٌ وَسَخَطٌ بقضاء الله تعالى
أفتى فضيلة الشيخ الطاهر آيت علجات بحرمة قتل النّفس، سواء بالانتحار أو غيره، موضّحًا أنّ في قتل النّفس السَّخَط من قضاء الله تعالى، مشيرًا إلى أنّ الله عزّ وجلّ حرَّم الانتحار تحريمًا قطعيًا لأيّ سبب كان، ودَلَّلَ بقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، وبما ورد عن النّبيّ، صلّي الله عليه وسلّم، من قوله في الحديث الصحيح الّذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ''... ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا''، حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
ودعا الشيخ الطاهر الشباب الجزائري إلى التّمسُّك بتعاليم ديننا الحنيف الّتي تُحرِّم الانتحار وأمثـال هذه الكبائر، وأن يواظبوا على أداء الطاعات والفرائض، كالصّلاة في وقتها وفي جماعة، والعمل بإتقان، واحترام الوقت وغيرها.
الدكتور عبد الحليم قابة:
لا يجوز الاحتجاج بقتل النّفس وإنّما بالأساليب النّافعة والمشروعة
أوضح الدكتور عبد الحليم قابة، رئيس لجنة الفتوى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أنّ الإسلام حرَّمَ قتل النّفس بأيِّ سبب من الأسباب، وأضاف أنّه لا يجوز للإنسان أن يحتجَّ بقتل نفسه، وإنّما يحتج بالأساليب النّافعة والمشروعة.
ودعا رئيس لجنة الفتوى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الجميع (حكاما ومحكومين)، أن يَتَّقوا الله عزّ وجلّ، وأن يُقدِّموا مصلحة الأمّة على مصالحهم الشّخصية.
الشيخ علي عيّة:
جريمة الانتحار لا يقوم بها إلاّ مُنعدم الإيمان أو ضعيفه وقليل الخوف من الله
أكّد الشيخ عليّ عِيَّة، شيخ الزاوية العلمية لتحفيظ القرآن الكريم والذِّكر، أنّ الانتحار جريمة خطيرة نكراء، عَدَّها العلماء من كبائر الذنوب الّتي لا يرضاها الله ولا يُحبُّها ولا يرضاها مسلم لنفسه، معتبرًا أنّ جريمة الانتحار لا يقوم بها إلاّ مُنعدم الإيمان أو ضعيفه وقليل الخوف من الله واليائس من رَوْحِ الله.
وأشار الشيخ إلى أقوال بعض العلماء بأنّ المنتحر يموت كافرًا، لأنّه انتقم على ربِّه عزّ وجلّ من المصائب الّتي حلَّت به ولم يصبر عليها، لكنّهم استثـنوا من ذلك المسلم الّذي تصيبه نوبة عصبية فينتحر، فهذا لا يقال عنه كافر.
وأوضح شيخ الزاوية العلمية لتحفيظ القرآن الكريم والذِّكر، في بيان وصل ''الخبر'' نسخة منه، أنّ الله جلّ وعلا حَذَّرنا من هذه الجريمة، وبيّن لنا خطورتها وشرّها وعواقبها في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، ومَنْ يَفْعَل ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا}، مُنبِّهًا أنّ الانتحار ''لا يجوز بأيّ سبب من الأسباب، لا بسبب المرض، ولا لِهَمٍّ ولا لحزن، ولا لضيق المعيشة ولا هموم الدُّنيا بجميع أنواعها، ولا للبطالة والفقر والفاقة، ولا لعدم توفيقك بزواج فتاة، ولا بموت فلذات الأكباد، ولا لعدم توفّرك على سكن ولا تحت أي مظلّة كانت''.
وحَذَّر الشيخ علي عية الشباب من الأقوال والفتاوى المزيّنة والمزيّفة والمسيّسة والمُشجّعة المبيحة للانتحار. وفي ذات السياق، استنكر رؤية بعض الساسة إلى المنتحر على أنّه بطل ومسكين ويعذرونه بأعذار شتّى ووهميّة، ويظنون بأنّه لا ذنب له، وأنّ المجتمع هو الّذي جنى عليه، بل يعطون للمنتحر وسام الشّجاعة والإقدام، ويتباهون به ويقولون فلان فجّر نفسه ليُحقّق لأمّته الخير، واعتبرها الشيخ خطئًا عظيمًا ومخالفا لكلّ الأديان السّماوية.[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]