يعتبرُ مفهوم البرود الجنسي مفهومًا جديدًا إلى حد ما في المجتمعات العربية ، وبالرغم من ذلك فإن استخدام هذا المفهوم يشوبه الكثيرُ من الاختلاط ، فما بينَ آراء الرجال والنساء من أفراد المجتمع البالغين على اختلاف أعمارهم ، وما بينَ ساحات الحوار العربية على شبكة الإنترنت ، يتضحُ للباحثِ أن المفهوم إما أن يكونَ غير محددٍ بصورةٍ دقيقةٍ من قبل المتكلمين عنه ، أو أنهُ في الأصل مفهومٌ غير محدد المعالم أو يمكنُ استخدامهُ للتعبير عن العديد من الحالات.
فقد كان البرود الجنسي في الإناث يطلقُ على أيِّ واحدةٍ من الحالات التالية:
أولا: امرأة لا تشعرُ أصلاً بالرغبة في الجنس Sexual Desire
أو لا تتواردُ على خاطرها خيالاتٌ جنسيةٌ Sexual Fantasies مُحَبَّبةٌ مثيرة ، وهيَ التي تعاني من اضطرابٍ نفسي نسميه نقص أو فقدان الرغبة الجنسية ، أو ربما من اضطراب النفور الجنسي في الحالات المتطرفة الشدة ، والذي يعني نفورًا واشمئزازًا من كل ما يتعلقُ بالجنس.
ثانيا: امرأةٌ تشعرُ بالرغبة في الجنس.
وتتواردُ على خاطرها خيالاتٌ جنسيةٌ مُحَبَّبةٌ مثيرة ، لكنها تفشلُ في الاستجابة لزوجها عند اللقاء الجنسي لسببٍ أو لآخر، وهيَ التي تعاني من اضطرابٍ نفسي نسميه فشل استجابة الأعضاء الجنسية ، فلا تتزلقُ قناةُ المَهْبِلِ على سبيل المثال مما يجعلُ الجماع صعبًا.
ثالثا: امرأةٌ تشعرُ بالرغبة في الجنس.
وتتواردُ على خاطرها خيالاتٌ جنسيةٌ مُحَبَّبةٌ مثيرة وتستجيبُ أعضاؤها لزوجها وتتجاوبُ معهُ لكنها تفشلُ في الوصول إلى الإرجاز (رعشة الجماع Orgasm) بالرغم من الآداء الجيد للزوج ، وربما أحست بأن زوجها يتركها في منتصف الطريق ، وهيَ التي تعاني من اضطرابٍ نفسي نسميه انعدام الإرجاز، أو خللُ الأداء الجنسي في الإرجاز.
رابعا: امرأةٌ تشعرُ بالرغبة في الجنس.
وتتواردُ على خاطرها خيالاتٌ جنسيةٌ مُحَبَّبةٌ مثيرة وتستجيبُ أعضاؤها لزوجها وتتجاوبُ وتصل إلى الإرجاز أيضًا لكنها لا تحسُّ للإرجاز طعمًا!
ومعنى ذلك هو أن مصطلح البرود الجنسي Sexual Frigidity يمكنُ أن يطلقَ على امرأةٍ تعاني من اضطرابٍ في أي مرحلةٍ من مراحل دورة الاستجابة الجنسية التي تبدأُ بالشهوةِ ثم الفعل الجنسي أو الاستجابة لفعل الزوج وتنتهي بالإرجاز، ولذلك السبب لا نجدُ البرود الجنسي مقبولاً كاسمٍ من أسماء الاضطرابات النفسية الجنسية حيثُ تستخدمُ مصطلحاتٌ أكثرُ دقةً في وصف الاضطراب وتبينُ في أي مرحلةٍ من مراحل دورة الاستجابة الجنسية يكونُ ذلك الاضطراب.
وقبل أن ندخل في محاولة مناقشة المفهوم لابد أن نقرَّ حقيقةً علميةً يتغافلُ عنها الكثيرون من المتحدثين في هذا الموضوع ، وهيَ أننا عندما نتحدثُ عن مشاعر الأنثى الجنسية لا نتحدثُ عن شيءٍ تفهمهُ كل أنثى بنفس المعنى الذي تفهمه به الأخرى! وذلك لأن تقارير النساء عن شعورهنَّ بالإرجاز وهو أكثرُ المشاعر التي كان يظنُّ أنها متطابقة قد بينَ بما لا يدعُ مجالاً للشك تباينًا شاسعًا ما بينَ شعور واحدةٍ وأخرى بل ما بينَ شعور نفس الأنثى ما بينَ إرجازٍ وإرجاز، فبعضُ الإرجازات يكونُ ضعيفًا وبعضها قوي وبعضها يكونُ طويلاً وبعضها قصير، وأحيانًا يجيئُ الإرجاز منفردًا إن حدثَ بينما تتحدثُ بعض النساء عن ما يشبهُ سلسلةً متتابعةً من الإرجازات التي تحدثُ أحيانًا.
إذن فنحنُ نتحدثُ عن ظاهرةٍ لا نمطيةٍ بالمرة ، ولا يجوز للمتحدثِ أن يعتبرَ أنهُ يتكلمُ عن مفهومٍ تعرفهُ كل النساء.
والإرجاز في الأنثى يختلفُ عن الإرجاز في الرجل في نقطةٍ مهمةٍ جدا وهيَ كونهُ غير مصحوبٍ دائما بالقذف إلى فتحة المبال الخارجية ، وهو بالتالي ليسَ شرطًا للعملية الجنسية الناجحة إذا اعتبرنا أنها تعني كل ما يجعل التلقيح ممكنا من الناحية البيولوجية ، فليسَ لإرجاز المرأة دور محوريٌّ في ذلك ، وبطريقةٍ أوضح فإن امرأةً قد تتزوج وتنجبُ عدةَ مراتٍ دونَ أن يحدثَ لها الإرجاز ولو مرةً واحدةً بينما يستحيل حدوثُ الإخصاب إذا لم يحدثُ إرجازُ الرجل في كل مرةٍ لينتجَ الحمل.
كما أن علينا أن ننتبه جيدًا إلى أن المفهوم في الأصل هو مفهوم مستورد أي أن مشكلةَ البرود الجنسي هيَ مشكلةٌ برزت في المجتمعات الغربية واستوردناها ، وأنا هنا لا أقولُ أنهُ غيرُ موجودٍ في مجتمعاتنا ، فالحقيقة أنهُ موجود بالتأكيد، لكن البحثَ عن أسبابه يجبُ أن ينبعَ من نقاط أخرى غير التي يلجأ إليها الباحثون تقليديا عند بحثهم في مجتمعاتنا.
فيرجعون الأمر إلى التربية الدينية الصارمة بينما الحقيقةُ غير ذلك لعدة أسبابٍ أهمها:
السبب الأول:
أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أقرَّ بوضوحٍ كونَ العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأةِ موضوعًا للمتعة حتى وإن لم يُقْصَدْ بها غير المتعة ولم يفرق الإسلام في حظ الذكر أو الأنثى من المتعة ، ومعنى ذلك أن الأسباب التي يجبُ البحثُ عنها بعيدةٌ بالتأكيد عن شريعة الإسلام.
ومن يقرأُ طوق الحمامة "لابن حزم الأندلسي" سيعرفُ جيدًا كيفَ كان للمرأة المسلمةِ أن تعبرَ عن مشاعرها الجنسية بحريةٍ ليست أبدًا أقل من حرية الرجل.
السبب الثاني:
فهوَ أن الدراسات والإحصاءات التي بين أيدينا عن معدلات عدم الرضا عن النشاط الجنسي في الإناث كلها أصلاً دراساتٌ أجريت في الغرب على نساءٍ غربيات حيثُ المجتمع المتفتح جنسيا مقارنة بمجتمعاتنا، فليست لدينا حتى الآن دراساتٌ أوإحصاءاتٌ تتعلقُ بالموضوع!
وإذا نظرنا إلى جزءٍ بسيطٍ من النقاش الشرعي المتعلق بموضوعٍ هو من أكثر المواضيع اتهامًا عندنا بمسئوليته عن البرود الجنسي في الإناث وهو موضوع الختان Circumcision فسنجدُ ما يلي:
يقول عبد الحليم أبو شقة رحمه الله وهذا ما أورده في موسوعته تحرير المرأة في عصر الرسالة تحت عنوان: " أوهام باطلة تحاصر الاستمتاع الطيب وتطارده"
( من هذه الأوهام وجوب ختان البنات دعما للتعفف الأخرق وتضييقا لفرص الاستمتاع ، على كل من الرجل والمرأة ، ساد القول بوجوب ختان البنات في بعض بلاد المسلمين قرونا طويلة وكأن ختان البنات فريضة من فرائض الإسلام ، وإغفاله يعتبر نقيصة ومعرة للفتاة ، كما يعتبر فعله مكرمة لها ، وهذا كله وهم ، وتأكيدا لهذا الوهم شاع الحديث الضعيف الآتي: عن شداد بن أوس قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء"
والحقيقة في أمر ختان البنات أنه كان عادة من عادات العرب في الجاهلية ، ولما جاء الإسلام وضع لها من الشروط ما يخفف أثرها على الرجل والمرأة معا ويحفظ حق كل منهما في الاستمتاع ، فقد روت أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تنهكي- أي لاتبالغي- فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو داود، وفي رواية للطبراني فقال لها: اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج ، وقال الحافظ بن حجر: قال الشافعية: لا يجب في حق النساء ، وهو الذي أورده صاحب المغنى عن أحمد ، وذهب أكثر العلماء إلى أنه ليس بواجب ، على أن الحديث: أنه سنة للرجال ومكرمة للنساء ، لا يثبت لأنه من رواية حجاج بن أرطأة ولا يحتج به ، وقال الشيخ سيد سابق في فقه السنة: أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء)
انتهى كلام الأستاذ أبو شقة ، وأتمنى لو تجاوزنا هذه السخافات وترفعنا عن السفاهات وبذلك نوفر على أنفسنا الوقت لنقف صفا واحدا وندافع عن الدين أمام أعدائه الحقيقيين.
فإذا نظرنا إلى المجتمع العربي اليوم فإننا سنجدُ أن الحديث عن الجنس عيب وحرام ، ولا يجب أن تخوض البنت فيه ، وممنوع أن تسأل ، ولا تجد أما تُعلم أو توجه، وإذا وصلت الفتاة لسن الزواج بدأ من حولها من النساء في التأكيد على ضيقهن بهذه الممارسة ، وأنها عبء عليهن ، فيرسخ في ذهن الفتاة أن الممارسة الجنسية واجب أو مسئولية تضاف إلى مسئوليات الزواج المتعددة ، الكل ينصح بأهمية التزين للزوج وأداء حقه ، ولا وجود لمصطلحات اللذة والمتعة ، وينسى الجميع أن الرجل لا تسعده أن يعاشر ملكة جمال العالم لو كانت باردة ، وقد يسعده الوصل مع زوجة دافئة متجاوبة ، وإن كانت أقل جمالا.
وعندما تتزوج هذه الفتاة يبدأ زوجها في توجيه اللوم لها على عدم تجاوبها معه ، ويطلب منها أن تشعره بأنها تستمتع بعلاقتهما معا ، ويشعر أنها لا تريد الوصل معه ، لأنها لا تشعر بلذة.
(لاحظ أيها الأخ الكريم أن الزوج في هذه الحالة يتحدث بمفردات لغة لا تفهمها زوجته ، فهو يتحدث عن: لذة ، متعة ، تجاوب ، والمرأة لم تتعلم إلا لغة: الاستسلام ، التسليم ، أداء الواجب وحق الزوج).