بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
المشكلة الزوجية .. هل هي حقا مشكلة !؟
هل حقا ما نظنها مشكلة وكارثة وحدث جلل، هي بالفعل كذلك..؟
متى نقول أننا بصدد مشكلة زوجية تحتاج إلى إسعاف عاجل ..؟!
إنني أدعي أن المشكلات التي تقابلنا في حياتنا لا تصبح مشكلات إلا بعد أن نوافق نحن على جعلها كذلك ! .
وليس في الأمر ثمة غرابة، فتعاملنا مع المواقف هو الذي يمرره بسلام أو يجعله أزمة ومشكلة، وأنه كلما كان نصيب المرء من الحكمة كبيرا كلما كانت مشاكله أقل .
وربما يعترض معترض، بأننا قد نكون حكماء بينما نقابل في الحياة جهلاء حمقى، يجهلون علينا ويدفعونا إلى الخروج عن ثبات العقل ورزانته، وهذا حادث فعلا .
وإنما ما أحب الوقوف عنده، أن هناك أوقات كثيرة، نكون فيها نحن صانعوا المشكلة، وأنها لم تكن مشكلة قبل أن نقرر نحن أنها كذلك .
الخبراء يؤكدون أن 70% تقريبا من قضايانا الزوجية ليست بمشكلات حقيقية، ولا تحتاج لحل، ويؤكدون أن المناقشات الوافية، والحديث حول ما يزعجنا كفيل بإنها معظم قضايانا بشكل هادئ وبسيط .
وأن هناك عاملان يساعدان على جعل اللامشكلة، مشكلة ! .
1- كتمان الغضب !
يتفوه شريك حياتك بكلمة، أو يقوم بفعل يغلي له صدرك كالمرجل، وتتخطفك طيور الحنق والغضب، لكنك وبرغم ذلك، تحتفظ بكل مشاعرك السلبية في صدرك .. وتصمت ! .
تزيد ثورتك رويدا رويدا، إلى أن تأتي لحظة ما .. وتنفجر .
إن كظم الغيظ حسنة يؤجر المرء منا عليها في الآخرة، ونستشعر فضلها في الدنيا، والتحكم في الغضب ديدن العقلاء الأذكياء .
لكن هناك ثمة فرق كبير، بين أن تقيد غضبك وتُحكم سيطرتك عليه، وبين أن تردم عليه، بينما هو في أعماقك يصلي روحك بناره التي لا حد لها .
إن عدم الاستسلام للغضب شيء في غاية الأهمية، لكننا في المقابل يجب أن نتعلم كيف نعرض مشاعرنا على الطرف الآخر كي يقرأ الصورة بشكل صحيح .
يجب حينما نغضب ممن نحب أن نعترف له أن في الصدر شيء، وأننا لسنا راضين عن شيء ما فعله أو قاله لنا .
إنني لن أكون مثاليا أكثر من اللازم وأطالبك بألا تغضب، لكنني سأطمح منك أن تتعلم كيف تدير غضبك !،
نعم هناك من يمتلك من القوة ما يمكنه من إدارة غضبه وانفعالاته، ولا يستسلم لمشاعره السلبية، ولا انفعالاته الساخطة .
كيف نتغلب على مشكلة كتمان الغضب؟
المصارحة، ثم المصارحة .. إن فتح القلب، وكشف خباياه للمحبوب شيء في غاية الأهمية، وتنقية الصدر أولا بأول من كل ما يضايقه أمر مطلوب وهام .
إن الصفاء والمصارحة التي تحكم الزوجين، من شأنها أن تزرع الطمئنينة والراحة في علاقتهما، بينما كتم المشاعر وإخفائها يفجر براكين الغضب في أي وقت .
ولقد حدث وأن قال النبي (ص) لزوجته عائشة- رضي الله عنه –" إنى لأعرف غضبك ورضاكِ ، فسألته: وكيف تعرف ذلك يارسول الله ،
فقال : إنك إذا كنت راضية ، قلتى : بلى ورب محمد ، وإذا كنت ساخطة ، قلتى : لا ورب إبراهيم ، فقالت : أجل" . حديث صحيح السلسة الصحيحة للألباني
في هذه الموقف يمكننا أن نرى بوضوح حجم مساحة الصفاء والشفافية التي اتسمت بها علاقة النبي (ص) بزوجته، فمشاعرها لزوجها مكشوفة على الدوام، مما يسهل على زوجها قراءة تلك المشاعر والتعامل معها بكل يسر وسهولة .
والأخطر من كتمان الغضب، أنه يدفعنا إلى نقطة ثانية بعيدة وخطرة، وهي ( الحوار الداخلي)!
2- الحوار الداخلي السلبي
وهذه أخطر عوامل صنع مشكلة زوجية، إن صدر المرء منا هو المعمل الذي تُصنع فيه مشاعره، فإذا ما كان الصدر صافيا نقيا، جاءت مشاعرنا صافية واضحة كضوء النهار .
أما إذا ما امتلئت صدورنا بالحديث الداخلي السلبي، وبتنا نحلل ونناقش ونصدر الأحكام بيننا وبين أنفسنا، فإننا نصيب ـ دون أن ندري ـ مشاعرنا بالتوتر والاضطراب، والعصبية، مما ينعكس دون شك على تصرفاتنا وسلوكنا .
والحوار الداخلي يكون حارا، مؤلما، وكثيرا ما يدفعنا للجنون، فيقول الواحد :
ـ لقد كان يقصد إهانتي حينما قال هذه الكلمة .
ـ إنها تتعمد تجاهل مطالبي .
ـ هذه ليست المرة الأولى التي تفعلها، إنها تحاول الاستخفاف بي، حسنا، لنرى من منا سيصمد حتى النهاية !!.
ـ ماذا يظن نفسه، تناسى كل ما قدمته له، يجب أن يبدأ عهدا جديدا، ولا بد من وضع النقاط فوق الحروف !! .
وهكذا إلى أن تأخذ المشكلة أبعاد أخرى، وتتضخم في ذهن صاحبها، بينما الطرف الآخر لا يشعر بكل ما يدور داخل شريكه.
والحل ... في الصراحة أيضا ..
الحل في أن نتعلم كيف نُشارك شريك حياتنا مشاعرنا وهمومنا..
كيف نسمع منه، ونترك لك الحق في أن يقول ويدافع ..
هذان العاملان هما أكثر ما يدفعان المشكلات العابرة إلى أن تصبح مشكلات كبيرة مستعصية على الحل، وحلهما كما قلت يكون بتنقية الصدر ـ عزيزي الزوج عزيزتي الزوجة ـ أولا بأول، وتصفية أفكارنا ومشاعرنا وغربلتها لإخراج السيء منها لشيء في غاية الأهمية .
والحب الحقيقي كالبحر .. قادرا على إخراج شوائبه على الشاطئ، ليظل باطنه نظيفا صافيا .
م/ تقديري للجميع