الكفاءة الختامية الثانية: يسعى المتعلم إلى خوض تجارب فعلية في طرح القضايا الفلسفية وفهمها ومن ثمة، الارتقاء إلى محاولة حلها. النتيجة: التي يتعين الوصول إليها، هي أن لا أحد يدعي القبض على الحقيقة "المطلقة مع العلم بأن السعي إلى ممارستها ، لا يعدو أن يكون مسالة شخصية تستحق الاحترام و الإعجاب. | الكفاءة المحورية: أولا: الممارسة الفعلية للتفلسف. أولا: فهم القضايا فهما عقلانيا. ثانيا:تطبيق المنهجية الملائمة لتحليلها والتمكن منها. | الأسئلة التشخيصية لبداية الدرس من أنت؟، ما الذي يحدد اناك ويجعله مفارق للانوات الأخرى والأشياء؟
المجال ألتساؤلي للإشكالية السادسة: بحكم عيش الناش سويا هناك تنافر وتجاذب قد تطغى عليه مظاهر العنف وتضطرب الحرية فكيف إذن يطمح الناس إلى العيش في ظل عولمة يعود فيها الشتات إلى شملة ؟
المجال ألتساؤلي للمشكلة الأولى: هل الشعور ذاتي أم متوقف على معرفة الغير ؟ وهل معرفة ذواتنا يقوم على التناقض أم الصراع أم التواصل ؟ وضعية مشكلة: عندما سؤالك من أنت فقد تصف اسمك ونسبك ومكانتك الاجتماعية هل هذا يشير إلى الذات هل يجوز هذا الحصر للذات في صورة الجسد أو عملك.
، الأنا بالنسبة إلى الجسم؟ فهل جسمي هو أنا أو هو لي؟
هل هي كلُّ ما تُظهره المرآة من جسمك، يمكنك أن تتخطى النطاق المادي و الفيزيولوجي و الاجتماعي، لتقف على ذاتك في مقرها السيكولوجي. و من هنا، تبدأ معرفة الأنا بالشعور.
هذا، و إذا كان الشعور بالبرد ظاهرة فيزيولوجية، فإن الشعور بالإحساس الداخلي كالهدوء والعاطفة و الإيمان، هو ظاهرة نفسية. | المكتسبات القبلية المفترضة:
- القدرة على التمييز بين متقابلين. - كفاءات معرفية متعلقة بالمعارف العلمية السابقة. - التمكن من الكفاءات الفلسفية المكتسبة من دراسة المشكلات الفلسفية المقررة السابقة. مقدمة : طرح المشكلة
الإنسان كائن مدني بالطبيعة، يعيش مع غيره من الناس في تفاعل وتكامل وفي تنافر وتجاذب، أي ان وجدوه يحكمه تفاعل علائقي،كل هذا يدفعنا الى التساؤلات مركزية حول الانا: هل شعور الإنسان بذاته متوقف على معرفته لغيره ؟ وهل يكفي أن يكون مغايرا للآخرين حتى يكون هو؟
Ι: مفاهيم لابد من ضبطها
1. التمييز بين الأنا، الذات والغير
في البدء يجب أولا، التمييز بين المفاهيم الآتية:
الأنا: بحسب ابن سينا (980-1037) عبارة عن "ماهية ثابتة وقارة خلْف ووَراء كل الأعراض والمتغيرات التي لا يتوقف بدنُه (الإنسان) عن معرفتها". والأنا في التحديد الفلسفي، تطلق على الذات المفكرة العارفة لنفسها.
والذات: هي النفس أو الشخص؛. أما في معناها الفلسفي، فتعتبر جوهرا قائما بذاته، وأنه ثابت لا يتغير على الرغم مما يلحقه من الأعراض.
أما الغير: هو الآخر، وإن الغير(autrui) مشتق من (alter) وهو الأجنبي والمخالف. و هو في المجال الفلسفي، خلاف الأنا أو الهوية..
2. الوعي هو الذي يحدد معرفة الذات
يُعرف الإنسان بالوعي، وبواسطته يدرك أنه موجود وأن العالَمَ من حولِه يوجد كذلك، وأن الأنا(الذات) .وهذه هي التي توصل إليها ديكارت و "الكوجيتو" صحيح في هذا السياق: "أنا أفكر، إذن أنا موجود"..فبالوعي اعلم أنني موجود، وعبر عنه برغسون بالحدس النفسي.
وقد أكَّد الفيلسوف الفرنسي مين دو بيران (1766-1824 ) الأمرَ بقوله: قبل أي شعور بالشيء، فلا بد من أن الذات وُجود. و يقول أيضا:إن الشعور "يستند إلى التمييز بين الذات الشاعرة والموضوع المشعور به"؛ وهو نفس ما ذهب إليه الفيلسوفان هسرل (1859-1938) وسارتر (1905/1980) من زاويتهما الظواهرية؛ "إن الشعور هو دائما شعور بشيء، ولا يمكنه إلا أن يكون واعيا لذاته".
3. نقد وتعقيب
لا يمكن قبول رأي ديكارت لأنه كما يقول غوسدورف."مجردُ خيال وإنتاج لأوهام لا تعرف بنية الفكر الحي ذاتَها و ليس للشعور داخل، فهو في حد ذاته فراغ".
و نخلص من ذلك أن شعور الذات بذاتها أمر لا أمل في تحقيقها. و إذا كان مستحيلا، هذه النظرة ذاتية وقاصرة علميا.
قد يقع الإنسان في مغالطة مع ذاته، وأن صورتَه التي يشكلها وعيُه حولها تكون خادعة.
و مما يؤكد صحة هاته الانتقادات، ما رآه بعض المفكرين:
- لقد تساءل أفلاطون قديما حول هذه الحقيقة من خلال أسطورة الكهف المعروفة: إن ما يقدمه لنا وعيُنا ما هو إلا ظلال وخلفَها تختبئ حقيقتُنا كموجودات.
- و لقد اعْتَرَض سبينوزا ( 1632-1677) على تحديد ديكارت ووصف الشعور بالوهم والمغالطة؛ فاعتقاد الناس بحرية تصرفاتهم ظنٌّ خاطئ لعدم وعيهم بحتمية رغباتهم وشهواتهم ، وأنهم لا يعلمون شيئا عن الأسباب المتحكِّمة في شعورهم والموجِّهة له.
لقد رأى فرويد (1856-1939) ، بان اللاشعور وليس الشعور هو الذي يحدد ذواتنا، بل وما نشعر به ما هو إلا قناع تختبئ وراءه حقيقةُ ذاتنا. فهل هذا الشعور الذي يتبجحون به قادر على الوصول إلى معرفة اللاشعور؟
وتعارُض هذه المواقف يدفعنا إلى التساؤل الآتي:
هل كل محاولة لمعرفة الذات لا جدوى من ورائها؟ وأن معرفتنا لأنفسنا مستحيلة؟
إن البحث عن جواب لفهم ذواتنا يقودنا إلى الغير، باعتباره أحدَ مكونات هذا الوجود. فهو يقابلنا، وللمقابلة أثر في تنبيه الذات وتحقيق المعرفة بنفسها؛ وهي من العوامل الحاسمة في وصول الفرد إلى إدراكه لنفسه والشعور بتميُّزه، ويظهر بصورة جلية الاحتياجُ إلى الآخر في تحقيق الشعور بالذات.
و يستنتج من هذا، صعوبة التمكن من معرفة ذواتنا على حقيقتها؛ وعلى الرغم مما نقع فيه من قصور إلا أن الوعي يبقى شرطَ كل معرفة، من حيث إنها ذاتٌ مفكرة، وأنها بنية من اللاشعور ، وأنها وعي للغير واتصال معه.
ثالثا: عن طريق الغير تحدد الذات ذاتها:
1-معرفة الذات تتوقف على التقابل والمغايرة
إن الذات تتعرف على نفسها مباشرة بوعيها المتمتع بالإرادة وبالقصد وبالحرية والفعالية، كما أنها تتجلى لنفسها على أنها فردية مميَّزة عندما تقابل الآخر، ومثل هذه المعرفة تقتضي وجود الآخر، والوعي به. هذا الطرح القائم على المقابلة والمغايرة بين الذات والغير، قال به الفلاسفة العقلانيون.
قال بهذا الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت كما رأينا، وكذا الفيلسوف الانجليزي بركلي (1685ـ1753)؛ وعلى هذا، فوجود الآخر والشعور به والاتصال معه، كل ذلك يكون متوقفا على ما تقوم به الذات الفردية (الأنا) من أفعال باتجاهه؛ والأنا يتعرف على العالم وعلى الغير بالعقل. وعن هذا العقل، يصبح إدراك الآخر ووجودُه متوقفين على فعليه المتمثلين في المقابلة والمغايرة.
هكذا إذن، يتضح لنا كيف أن معرفة الآخر والاتصال به عاملان يتمَّان بالعقل، وأن المقارنة التي يقوم بها هي التي وراء تحديد كيفيات الأشياء والأشخاص.
2- معرفة الذات تتأسس على التناقض
و في سياق علاقة الشعور بالغير، يعتبر هيجل ( 1770-1831) وجود الآخر ضروريا لوجود الوعي بالذات؛ والأنا لا يكون أنا إلا بالعلاقة مع الغير الذي هو في الوقت نفسه، مُكوّنٌ له وفاعل، ويمكن توضيح هذا المعنى أكثر، من خلال جدلية هيجل الشهيرة في علاقة التناقض بين العبد والسيد.
فالسيد والعبد شخصان، أحدهما ارتفع عن الأشياء المادية، لم يخاطر العبد بنفسه ولم يُضَحِّ بها. عكس السيد، ونتيجة خوف العبد وعدم مخاطرته ـ ينتصر السيد؛ فيصبح بذلك، السيدَ المالك والحر. والعبد تابع، وفي هذه الحالة، تنشأ بين الاثنين علاقة صراع؛ فالسيد لا يقتل خصمه بل يحتفظ به كبيان لسيادته وأداة لتحقيق مآربه. أما العبد، فمن خلال العمل الذي يسخره إليه سيدُه، يدرك في قرارة نفسه، أنه يؤثر في الأشياء، ويشكلها كما يريد،ويصير السيد عبدا للعبد. هذا الصراع يؤدي إلى أن يدرك كلٌّ منهما، بصورة أو بأخرى، أناه، وفي الوقت نفسه يدرك الآخر.
قال تعالى" ولولا دِفَاعُ الله الناسَ بعضَهم ببعض لفسَدت الأرضُ ولكنَّ اللهَ ذو فَضل على العالمين".
3. مناقشة وتقييم:
ليست علاقتنا بالأخر دوما صراع وتناحر وعنف ولا يجوز أن يكون هذا التنازع معيار لمعرفة الذات نفسها فيمكن أن تكون علاقتنا بالأخر تواصل وانسجام؛ وعلى هذا، يمكن التواصل معه من غير تطاحن و لا معاداة. يقول لحبابي: "إن معرفة الذات تكمن في أن يرضى الشخص بذاته كما هو، ضمن هذه العلاقة: الـ(أنا) كجزء من الْـ(نحن) في العالم".
والمغايرة هذه ليست على الدوام عامل صراع؛ فالمغايرة نفسها تولد التقارب والتفاهم.
رابعا: معرفة الذات تتأسس على التواصل مع الغير
يرى ايمانويل لفيناس أن التواصل هو الأساس الأنسب لمعرفة الذات، فبالإمكان تحقيق معرفة الغير دون تناحر عن طريق الوعي بالمماثلة والإحساس المشترك، و عن طريق اللغة، دون إلغاء الآخر .
من هنا يؤكد برغسون أن الاتصال بالغير غالبا ما يعتمد على اللغة ولو أنها تقتصر على التعبير عن عالم الأشياء وعجزها عن الولوج إلى عالم النفس العميقة ولا تقف من الحياة الباطنية إلا وقوفا سطحيا، والاتصال الحقيقي بالغير حسب "ماكس شيلر" يتمثل في التعاطف والحب. ولكن يعترض سارتر على هذا ويرى بأن المحبة ليس معناها الرغبة في امتلاك الغير كفرد حر، لأننا لا نمتلك في الحقيقة، سوى الأشياء. وحتى في الحب، فإن معرفة الغير تواجه بعض المؤاخذات، منها: أن مشاركة أحدهما الآخر في حياته الروحانية ضرب من الخيال، خصوصا و أننا نحن لم نصل إلى فهم ذواتنا أنفسها..
2.التواصل عند سارتر
ويمكن بيان موقف هذا الفيلسوف من خلال استعراض الفكرتين التاليتين:
أ- الصلة بين الذات والآخر
ذهب سارتر إلى اعتبار الآخر مقوِّما أساسيا، مكوِّنا للأنا والوعي به. والنقطة الأساسية عنده تتمثل في الصلة التي بين الذات وبين الغير.فـ"وجود الآخر شرط لوجودي، وشرط لمعرفتي لنفسي؛ وعلى ذلك، يصبح اكتشافي لدواخلي اكتشافا للآخر"..
ب - أنا أفكر: الوعي والمواجهة
فـ "أنا أفكر لا تجعلني أعي نفسي...ولكنها تجعلني أعي نفسي مواجِها للآخرين، وتجعل الآخر َحقيقة أكيدة لي، ووعيي له لا يقلُّ قوة عن وعيي لنفسي"؛ فكل إنسان يحيا مشروعه ويعيشه، وأنه يستطيع بخياله أن يذهب إلى حدود مشروع الآخر ويحياه. إذن هناك "كونية شاملة في كل مشروع، بمعنى أن كل مشروع يمكن أن يفهمه كل إنسان".
3. التواصل عند غابريال مرسيل
و بالنسبة لنظرية انفراد الأنا بالوجود و لا وجود لغيره، فهي بالنسبة لهذا الفيلسوف نتيجة للتمييز بين الفرد و الموضوع: فهي ترسم دائرة الانفراد لأنها تبتر الغير بفكرة الغير، عازلة الغير في الخارج داخل دائرة أشكِّلها أنا بنفسي.
خامسا: بين الطرح المجرد و الممارسة العملية
1. الطرح المجرد
وفي سياق فلسفة سارتر، يمكن التذكير بأن اليقظة معناها الانتباه أي الانتباه إلى(...)؛ إنه نزوعي نحو العالم، خروج من الذات إلى الشيء. يقول: "المعرفة هي انفجار نحو (...)؛ هي إقلاع من الذات للوصول إلى هناك خارج الذات، نحو ما ليس أنا، و يضيف سارتر للتوضيح بأنه "ليس للشعور داخل، و ليس سوى خارجٍ لنفسه.." وبلغة الكوجيتو في هذا السياق، أقول: "إنه منظور إليَّ، فأنا إذن موجود". وأنا هو ما يراه الآخرون. فإني دائما و بالضرورة، أحتاج إلى غيري من أجل أن أعرف ذاتي. يقول سارتر: "إني في حاجة إلى وِساطة الغير لأكون ما أنا عليه".
يمكن تلخيص هذا الطرح فيما يلي: إن الآخرين الذين نشعر بأنهم أمثالُنا، لكل واحد منهم ذاتيةٌ، من الصعوبة بمكان النفوذ فيها.. ولتجاوز كل هذه الصعوبات والمفارقات التي تعترض معرفة الأنا والغير، يجب الانطلاق من نظرة كلية موحَّدة، وهي أنه لا معرفة لهذا أو ذاك، من قاعدة تنهض على جملة من القيم الأخلاقية في أساسها ـ مثل الحب والصداقة والإيثار والتسامح والتعارف والتواصل والتعايش ـ ونبذ كل أوجه الصراع والعنف. فالقيم في الواقع وبهذا المعنى، هي علاقة مع الغير تتضمن الميل نحوه والشوق إلى معايشته والاتصاف بالطِّيبة والخير اتجاهه.[1]
2. الممارسة العملية
و إذا أراد أن يكون كل واحد منا عمليا أكثر، فليحذر من جعل أناه مركزا للعالم أو مجرد شيء ينفلت من إرادته؛ فليحذر من تذويب أناه في (النحن) أو جعل الأنا يعيش في خلوة وحشية؛ و ليحذر أيضا، من إصدار أحكام على الغير وهو مدرك بصعوبة معرفة نفسه. إن المعرفة تفترض تحديد موضوع، و ليس هناك معرفة حقيقية للإنسان كموضوع لأنه كائن حر و ليس شيئا...ألا يمكن فتح أبواب الحوار لنشر ثقافة التعايش، وتوقيف العنف وتأكيد التساوي بين (الأنا) و (الأنت)، وهو حوار لا يبحث عن اندماج الشعورات، وسحقها و استبدالها بلغة (النحن) وإنما القصد منه حسب يورغن هبرماس. توفير أسباب السعادة بحيث يحب الواحد منا للآخرين ما يحب لنفسه، و لا يعاملهم بما لا يريد أن يعامل به. و هي حكمة موجودة في كل التقاليد و الديانات و الفلسفات الإنسانية.
خاتمة حل المشكلة
إن شعور الإنسان بذاته متوقف على معرفة الآخرين باعتبارهم كائنات تستحق المعاشرة والاحترام؛ و مغايرته لهم إن كانت ضرورية لتثبيت الذات و تأكيد خصوصياتها، فإنها لا تكتمل و لا تزدهر إلا بوجود الآخرين و العمل معهم في ظل التعاضد و المحبة.
أسئلة تقويمية:
مفهوم المضايفة والضيافة
يقول هسرل : "إن الشعور هو دائما شعور بشيء"
هل معرفتنا بذواتننا تتأسس على التناحر أم التواصل ؟
هل يكفي معرفة الذوات الأخرى كمعرفة شعورية مجردة أم يجب الانتقال إلى العمل والتفاعل معها.
|