الكلاسيكو العربي!
الإسبان شاهدوا الكلاسيكو بين ريال مدريد ونادي برشلونة وهم في قمّة خوفهم على بلدهم واتحادهم الأوروبي من التفكك بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، في حين شاهده الجزائريون ومعهم العرب جميعا بنرفزة زائدة، تمتد أحيانا لقطع صلة الرحم وإنهاء صداقات عمرها سنوات، وأحيانا تصل لدرجة القتل، وكأن الريال والبارصا فريقان عربيان أو كأن الكلايسكو داربي محلي!
صحيح أن برشلونة تحوّل في السنة الحالية إلى استثمار قطري، بعد ما أغدقت عليه الإمارة الخليجية الصغيرة بكثير من الأموال الطائلة، من أجل أن يكون واجهتها الرياضية، تماما مثلما هي الجزيرة في الإعلام، أو على غرار استثمارها في الحرب بليبيا وشرائها الأسلحة للثوار هناك، ثم صرفها المزيد على فصيل معين من الإسلاميين للبقاء في السلطة، إلا أن ذلك لا يعني البتّة أن العرب يناصرون البارصا فقط، لأنه يسيّر بمال عربي، فحتى الإسبان وفي داخل الفريق الكتالوني العريق غضبوا جدا من هؤلاء الذين يوصفون في الغرب ببراميل النفط والجثث الضخمة الباحثة عن شراء كل شيء بالدولار حتى تاريخ أعرق وأكبر فريق رياضي في العالم؟!
أمّا العرب، فلو كانوا يناصرون البارصا فقط بسبب المال القطري، لفعلوها سابقا مع الكثير من النوادي الانجليزية، أو مع ابن القذافي، الهارب للنيجر حاليا حين اشترى جوفنتوس الايطالي، أو لناصروا فريق العاصمة الفرنسية حاليا باريس سان جرمان الذي اشتراه القطري ناصر الخليفي، والأمثلة كثيرة.
المصيبة الأكبر، أن المال القطري في برشلونة لا يعجب الإسبان حتى وإن كانوا يستفيدون منه، والمال العربي في حرب ليبيا لا يعجب الناتو والفرنسيين حتى وإن استعانوا به في مخططهم للعودة إلى ليبيا في ثوب استعمار جديد مهّد له استبداد بشق الطريق، كما أن المال الخليجي عموما في أوروبا وأمريكا لا يُعجب بتاتا سادة القرار هناك ولا حتى المواطنين البسطاء، رغم أنه يوفِّر لهم فرصا للعمل والاستثمار، لا يجدها سكان بلدان عربية وإسلامية كثيرة، يغرقون في الفقر والتهميش والإقصاء، تماما مثل ما لم ينقذ المال الكثير الذي صرفه القذافي على حسناوات ايطاليا، وأحزاب اليسار في أمريكا اللاتينية والزعماء في إفريقيا، وجيوش البطالين في أوروبا، وحتى الفقراء في بلاد الهند والسند، حين تم إبعاده عن السلطة وإمساكه، ثم قتله بطريقة مهينة.
القذافي تحوّل في لحظات، من مستثمر كبير، مرحّبٍ به وبأمواله في أوروبا، سياسيا ورياضيا واقتصاديا وإعلاميا، إلى مجرد مستبد قاتل بعد ما وجد الغرب من يدفع أكثر منه، أو تزايدت جرائم القذافي وتضاعفت معها أطماع الآخرين، في حين أن قطر، الإمارة الصغيرة، مايزال الكثيرون ينظرون إليها في تقاريرهم على أنها الأقل فسادا بين العرب، وهي في عيونهم واحة الديمقراطية في الخليج، حتى من دون انتخابات ولا برلمان، ولا دستور، فقط لأنها ماتزال تستثمر أموالها في الحروب والإعلام، وفي شراء نوادي الغرب، وإنقاذ المتاجر المفلسة، وتوفير فرص العمل في كثير من الدول الأوروبية وحتى في احتضان كأس العالم لكرة القدم، وستبقى ديمقراطية مع وقف التنفيذ، حتى إشعار آخر، أو بالأحرى، حتى تتغير إرادة الآخرين، وتتزايد أطماعهم في تسلم الكعكة مباشرة ومن دون وسيط.
* قادة بن عمار