التراث العلمي العربي وتاريخ العلوم العربية الإسلامية
نعني
بالتراث العلمي العربي عندما نتحدث عنه الإسهامات العربية والإسلامية
الوسيطة في العلوم البحتة والتطبيقية. وقد كان هذا التراث محظوظاً لجهة
التواصل بين إسهاماته في ظهور العلوم الحديثة, والبدء بدراساته وقراءاته
التاريخية والنقدية. فحتى القرن السابع عشر الميلادي, كانت النشرات
اللاتينية للخوارزمي والرازي وإبن سينا والتبّاني, لا تزال مستعملة أو
معروفة. في حين بدأت نشرات الأصول العربية في القرن الثامن عشر, واشتدّ
عودها في القرن التاسع عشر.
بيد أنّ ما كان
جارياً في الواقع, انقطع في الوعي. فكما تعرضت الحضارة الإسلامية لمحاولات
اقتصاص واغتيال من سياقات التاريخ الحضاري العالمي, كذلك تعرضت الانجازات
العلمية العربية الإسلامية للانتقاص أو الإنكار, وبخاصة في الفلك والطب
والهندسة والرياضيات. ومن جانب مؤرخي العلوم, وفلاسفة التاريخ, أكثر مما هو
من جانب المستشرقين, الذين ما كانوا يجيدون التعرف عليها في أي حال.
على أنّ الأمر
تغير تغيراً راديكالياً بعد الحرب العالمية الثانية وعلى مستوى الدراسات
النظرية والتاريخية, كما على مستوى النشرات العلمية للنصوص الطبية والفلكية
والرياضية وعلوم النبات والحيوان. وبسبب التقدم في مجال نشر النصوص, حدث
تقدم في الدراسات في شتى المجالات, وصولاً إلى إمكان كتابة الموسوعات,
وكتابة تاريخ للطب العربي أو للفلك العربي أو لعلم المناظر أو للكيمياء أو
الرياضيات... الخ. وفي السياق نفسه ما عاد من الممكن تجاهل العلوم العربية
باعتبارها جزءاً تكوينياً في الحضارة الإسلامية, وفي الانجاز العلمي
العالمي في الوقت نفسه. وكان التراث العلمي العربي محظوظاً أيضاً من حيث
انّ القائمين على نشر نصوصه ودراساته بينهم اليوم عدد كبير من العرب
والمسلمين ذوي الشهرة العالمية مثل فؤاد سزكين وعبد الحميد صبرا ورشدي راشد
وسلمان قطّايه وأحمد سليم سعيدان وأحمد يوسف الحسن وأحمد فؤاد باشا وجورج
صليبا وأكمل الدين إحسان أوغلو. وبعض هؤلاء, من مثل رشدي راشد وفؤاد سزكين
أصحاب مشروعات كبرى, في تاريخ العلوم أو فلسفتها أو هما معاً, ما عاد يمكن
أحداً تجاهلها أو إغفال أطروحاتها وأفكارها.
التراث العلمي
والفلسفي والثقافي, العربي الإسلامي, هو اليوم جزء أساسي في تاريخ العلم
والثقافة في العالم. وبسبب ظروف الحصار, التي يمرّ بها العرب, وتمر بها
ثقافتهم, ووجودهم السياسي والإنساني, فلعروض التوعية المستنيرة والمنفتحة
والعامة, أهمية استثنائية ليس من أجل الترْبيت النرجسي, بل من أجل المعرفة
والتشجيع على الانفتاح والمشاركة.
الحياة