عنوان المقال
دور النّشر: بين الصّفقات المالية، ومصداقية الطّبع وآمال الكتّاب!
اسم الكاتبة : نورالايمان عباس
نحن لا نكتب فقط لأن الكتابة هواية عند أغلب الناس إنما هي مورفين مؤقتٌ لآلامنا ووسيلة للبوح على الورقِ حين تخوننَا الكلمات وتتجرد منا الأحاسيس، هي عكازةُ صبرٍ لأوجاعنا صديقنا حين لا نجد أحدًا يسمع همومنا، عمودنا الفقري هي حياةٌ حينما تخلو حياتنا من السعادة وتنطفئ شمعةُ الأمل في قلوبنا، رئتنا الثالثة التي نتنفسُ من خلالهَا، أحلامُ تجسّدُ بين الواقع والخيالِ، الكتابة هي دفئٌ في ليالي الشتاءِ الباردةِ..
نحن نكتب لأن الكتابة حياة ووسيلة لكي تأخذ دفعة قوة أخرى كي تعيش بقليل من الأمل والإرادة وعندما نقرر أن ننشر إصدارًا لنا ليس كي نجني المال بل لتحقيق حلمكَ أن تصبح أكبر كاتبٍ في العالمِ أو الوطن العربي يكبر هذا الحلم سنة بعد سنة وتزداد رغبتكَ في تحقيقهِ، إن الحروف رسالة سلامٍ ورسالة إنسانية تكون من خلالِ كلماتكِ.
بالنسبة إلي أنا أكتب حين أفقدُ التعبير عما بداخلي ولا أجد شيئا غير “كيبورد” ويدين ترتعشان وهما يكتبان لست أنا فقط من أفعل ذلك فجميع الكتاب يشاطرونني الرأي عندما تنهي رواية أو كتابًا لك تكون في أشدِّ السعادة.. سرعان ما تواجه شيئا يحبطك وأنت في رحلةِ البحث عن دار نشر تقبل بعملك وتوافق على نشره.
تبدأ في إرسال إيميلات بشغفٍ كي تجد دار نشر مناسبة أو بالأحرى تجد صفقة على طاولة ما تسمى بدار نشر. لكن تصدم بالرد فينزل عليك كصاعقة توالت عليَّ الصدمات والردود واحدة تلوى الأخرى.
الجواب كالتالي لدور نشر عربية ومعروفة بدون ذكر أسماء: “عفوا خطة النشر لهذه السنة مكتملة نتمنى لكِ المزيد من التوفيق”، “لن نقدر على طباعة عملك نتمنى أن يجمعنا عملٌ مع بعض مستقبلاً”، “عفوا لا نقوم بطباعة الرواية هذه السنة اتجهنا إلى قصص الأطفال بالتوفيق لك”، “أنت غير مؤهل لكتابة الرواية بعد يجب أن تقرأ الأدب الروسي وأنا سأكون حاضرا في معرض الكتاب لديكم هذه السنة وسوف أقوم بتقديمِ النصائح المميزة لكَ”، “نعم قمنا بالاطلاع على العمل وقد نالت روايتكِ إعجابنا لكن الطباعة على المؤلف”، “هذه السنة لا ندعمُ إلا الكتاب الموجودين بالإمارات”، أما آخر رد كان صريحًا جدًا على غرار دور النشر الباقية: “نحن نشجع الكتابَّ لكن دار النشر ليست جمعية خيرية يجب أن نتفق على الطباعة والنشر والمبلغ الذي سنخبركِ به أولاً، أو عليكِ بالتخلي على حقوق الكتاب لدار النشر مقابل نسخ قليلة تعطيها دار لكِ”.
قمت بالرد كالتالي: “كيف لدور النشر أن ترى الكاتبة فقط مال وربح لا أكثر، مصدومة بالجواب كيف للكتاب أن يصبح مستواه هكذا أين العدل في هذا؟”
دائما ما يتردد على ذهني هذا السؤال إن لم ينشر للكاتب الجديد عمله كيف لاسمه أن يُعرف في الساحة الأدبية مثله مثل غيره وأن يأخذ فرصتهُ (وهل الكاتب يُخلق مشهورا كي يحصلُ على اهتمام كبير..؟).
أجابني كان صريحا جدًا بأن دار النشر لن تغامر بالنشر لمؤلف بين قوسين (مجهول) ليس لديه قاعدة جمهورية ومن المؤكد أنها سوف تخسر في طباعة الرواية، قال لي: بأنهُ أراد الاتفاق على تكلفة الطباعة وبعدها يرى المحتوى لم يهتم ما كتب بداخلِ الرواية إذا هو محتوى مخل بالحياء أو سياسي أو سأل إذا فيه أخطاء إملائية، لم يسألني حتى إذا كان العمل منقّح أو مراجع لغويًا، أصبحت معظم دور النشر تطبع الأعمال بجميع أخطائها اللغوية دون الاكتراث بتلك الأخطاء الفظيعة.
للعلم أن دور النشر لا تطبع لكاتب غير مشهور لكن عندما يُعرف ويشتهرُ بعد فترة من الزمن، دور النشر هي من تراسله حتى تقوم بشراء حقوق روايته حتى تنشرها من جديد. لأي حال وصلنَا ؟
وأكثر دور النشر عندما تطالب الكاتب بإرسال أعمالها هي لا تقرأ العمل بعد فترة من الوقت تقوم بالرد بأن العمل ضعيف جدًا وتعتذر عن نشره.
تحدثت الكاتبة البرلينية “نيكا لوبيتش” عن تجربتها مع الكتابة ودور النشر التي تكتب روايات بوليسية مذ كانت تبلغ من العمر 26 سنة آنذاكَ لكن دور النشر لم تقبل نشر روايتها جاءها الرد عليها كالتالي:
“نحن لا ننشر كتب الطهي” هل يجب علينا أن نضحكَ على الرد أم نبكي؟؟ بعد 13[b] سنة كما قالت “نيكا لوبيتش” جاء النجاح لي متأخرًا جدًا قامت بنشرها إلكترونيا ولاقت صدى كبيرًا ككتاب إلكتروني على موقع كبير واحتلت صدارة كبيرة، وكتابها مطلوب في أكثر من [b]11 بلد لترجمتهِ، ورشحت لأن تتحول إلى فيلمٍ وبعد نجاح طالته يداها أرادت أن تطبع كتابها بنفسها وأكثر من 14 دار نشر قامت بمراسلتها لكنها أجابتهم بأنها سوف تطبعها بنفسها وأنها ليست بحاجة لدور نشر لكي تنجحَ.
كلنا نتلقى ضربات موجعة في حياتنا لكن الأهم من كل هذا أن نتعلم من ضرباتنا ونتخذها درعًا كي لا نتلقى نفس الضربة في المستقبل وأن لا نكرر نفس الخطأ كالسابق .
حتى تفاصيلنا الصغيرة يجب علينا عدمَ التخلي عنها هناك دائما نقطة بداية تتحول إلى نجاحٍ مع الإصرار والمثابرة ونأمن بيقينها ووجودها، ولو استنفذت طاقتنا يجب علينا أن نجددها عندما نثق في حلمنا ونقدسه يبدأ في التفتحِ حتى لو اظطررنا أن نعانق السحاب بأحلامنا.
هذا الموضوع ليس قضية شخصٍ فقط بل عدة أشخاصٍ يعانون من نفس المشكلة، فالكثير من الكتاب عندما يواجهون هذه الأمور يحبطون نفسيا ومنهم من يتوقفون عن الكتابة ويصابون باليأس لأن كل الأبواب صُدت في وجوههم، وليس لديهم ثمن الطباعة، إما يعتزل الكتابة ويقوم بوضع ما كتبه في درج ويغلق عليه لأجل غير مسمى أو يتخلى عن حقوقه لدار نشر أو يقوم بنشرها إلكترونيا، ربما تعرف وتشتهرُ قليلاً من خلالِ هذا الشيء لأن العديد من القراء يتجهون للكتب الإلكترونية في وقتنا الحالي هذا، ومنهم من يدفع مبالغ طائلة لدور نشر لكن يتفاجئ بسوء التسويق.
بالمختصر أصبح الكثير يبحث عن الجانب المادي والدخل الذي سيربحه من خلال هذا الكاتب، أي حال وصلنا له، أتعاب الكتابة تباع بمبالغ طائلة مقابل القليل من الورق الأبيض أما المضمون فيبقى آخر اهتمامهم فهو مهمشٌ إلى أن يتفق الطرفين على المبلغِ المناسبِ.
أصبحنا في غابة القوي يأكل الضعيف وكأننا أشبه بنفقٍ مظلمٍ لا يسلم منه إلا من لديه قنديل يضيء في يده. أما أحلامُ الشباب تضربُ عرض الحائط وتتوالى سلسلة الخيبات في حياتهم ويشعرون بأن الحياة توقفت لبرهةٍ، دائما ما كانت تتردد على مسامعنا قصص كهذه لكتاب كثر مع دور النشر لكن الكاتب حين يعيش التجربة بنفسه يشعر بطعم الوجع ومعاناة غيرهِ كما سبقت بالذكر أن هذه التجارب تعلمنا للمستقبل كي نتعايش مع أمورٍ كهذه أو تشابهها في مجالات كثيرة ليس فقط دور النشر ربما أمور مغايرة تماما.
لكن إلى متى تبقى هذه المشكلة بدون حل أعتقد أن الأمور بدأت تتعقد أكثر فأكثر وتغرق في الوحل ولا نستطيع حلها .. وأخيرا أشكر القلم لأنه خلق كي نعبر به عن رأينا كلما زارتنا غصة جديدةٌ أدمننا الكتابة، فهي ليست محض ورقة رهان في يد بعض دار النشر.