شوفي غيرها مدام كلينتون
طلبت
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، الدول العربية اتخاذ تدابير
ملموسة باتجاه تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتحدثت عن مسؤولية هذه الدول في
إعداد شعوبها لتقبل السلام والتعايش مع إسرائيل كدولة من دول المنطقة.
وأضافت كلينتون أن هذه المبادرات العربية الملموسة تجاه إسرائيل ستجعل
حكومة نتنياهو اليمينية (تحشم على روحها) وتقرر وقف بناء المستوطنات
والتعاطي مع العرب باحترام. واعترفت بالمقابل أن أي خطوة تخطوها إسرائيل
في هذا المجال لن تكون سهلة. ذلك أن نتنياهو وقومه سيضحون بكرامتهم
ومبادئهم وحقوقهم التاريخية والسماوية إذا ما قرروا يوما إقامة علاقات
طبيعية مع العرب أو وضع حد لجشعهم واستيلائهم على أراضي الفلسطينيين
والاعتراف بحق هؤلاء في العيش مستقلين. وهذا طبعا تواضع ما بعده من تواضع
من كيان فُرض بالقوة في المنطقة وصار هو الأصل، بينما يُجبر صاحب الحق على
قبول الذل وانتظار ما يأتيه من صدقات.
ليت السيدة الوزيرة حددت للعرب طبيعة الخطوات أو المبادرات الملموسة التي
يتعين عليهم أن يتخذوها إذا أرادوا أن ترضى عنهم الدولة اليهودية. هل تريد
مثلا أن يوجه بعض القادة العرب دعوات إلى المستر نتنياهو لزيارة بلدانهم
أو أن يتقدموا إليه عبر الوسيط الأميركي طبعا بطلب منحهم تأشيرة لزيارة
إسرائيل وتقديم فروض الولاء والطاعة، أم أن يقترحوا على الكنيست أن يناقش
مسألة الانضمام إلى الجامعة العربية ويسلموا أمانتها العامة إلى تسيبي
ليفني مثلا أو موفاز؟ ثم كيف تريد كلينتون أن يقتنع الرأي العام العربي
بضرورة التعايش مع كيان يعاديهم ويرفضهم ويحاربهم، هل تتخيل مثلا أن يقف
زعيم عربي أمام شعبه يفهمهم أن إسرائيل هي شقيقتنا وأن كل ما كان يقال
عنها ما هو إلا كذب وافتراء، ثم ينقلب الشعب بمجرد نهاية الخطاب هاتفا
بحياة نتنياهو وشارون وبيريس وإسرائيل قاطبة؟
لعل السيدة الوزيرة محقة عندما تراهن على الحكام العرب، فكثير منهم
تراودهم فعلا أحلام بأهمية الإسراع في ترضية أبناء العم والتطبيع معهم
تطبيعا كاملا شاملا، لكن هل تصدق أن الشعوب أو الرأي العام العربي سينساق
وراء هذه الموجة بسهولة وبدون أن يرى فلسطين دولة قائمة بحق وشعبها يعيش
في استقلال وأمان؟
كلينتون ساقت مثلا عن السادات والملك حسين اللذين بادرا بخطوات مهمة تجاه
إسرائيل مما فتح الباب أمام اتفاقات دائمة بين مصر والأردن وإسرائيل. لكن
هل أجرت الوزيرة تقييما موضوعيا لمستوى العلاقات بين هذين البلدين
العربيين وإسرائيل وبين الشعبين المصري والأردني وإسرائيل؟ فلتجر استطلاعا
عن مدى تقبل الرأي العام في مصر والأردن لفكرة التطبيع الطبيعي والإرادي
مع إسرائيل في ظل السياسات العدوانية الراهنة التي تنتهجها حكومات الدولة
العبرية. ولتقل لنا الوزيرة كم مرة زار فيها الرئيس مبارك أو الملك
عبدالله الثاني إسرائيل وكم مرة استمرت فيها العلاقات بين القاهرة وعمّان
من جهة وتل أبيب من جهة ثانية طبيعية لا يشوبها أي توتر أو خطوات
استفزازية من الإسرائيليين. أم أن معالي الوزيرة تريد من العرب أن يتحولوا
إلى ساديين، كلما ازدادت القسوة عليهم كلما ارتفعت درجات تلذذهم؟.