مناظرة ومحارة بين الأديب والحبيب قلمي والعامري

جميل أن تعشق القلوب وتذوب **** لكن لا تكن أنت كالبقر الحلوب
يشربون من حليبها فتنتعش منها القلوب**** فان جفت صدورها صارت لهم مجرد مركوب
يا صاحبي مال أراك عابسا شحوب **** كمن يحمل هموم حضارات وشعوب


كلمني يونس العامري ....
وقال رسالة إلى قلمي ...
وهذه رسالة مني إليك يا أخي بابن أمي ....
كلمني عن الحب الحقيقي ....
وذكرت أيه الجخدلي ...
أن الحب لا يعرف الطريق إلى ألسلخي ...
وحشمتني وسط الجمع الكبير يضحكون علي ....

فقلت بصوت عالي ....
أيه الجمع الكريم .... أريد أن أقول شئ لكم ....
لقد أتينا من بعيد ....
بحب صادق ووعيد ....
أن نخدم هذا البلد ونجعله سعيد ....
وننزع فكرة العروش ونجيب ....
فسككت القاعة وكأنهم في حمى لا يستطعون النهوض ....

من منكم اتجه بحبه إلى الأصل ...
فأحب من لا يغب ...
وعشق من لا يهجر ....
وتعلق بمن لا يموت ....
فلنضع اليد في اليد ....
ونكون أسرة واحدة .... لكي لا نكون مثل البقرة الحلوب ...
كان هنا قلمي ...
وقال ....
احبك في الله أخي ....



قلمي ....

قال الحضور ومنهم المتأنن الباكي ومنهم الشاكي


فقال أتردون أن أحدثكم عن الحب وما فيه وعن الآم التي فيه


فما من صباح طلع إلا وأنا في جزع


إن استيقظت فبسرها أقول وبالخطاب أجول وأصول


قلت رحمك الله كيف كنت أوّاه


قال وهو يشند


أمطري لؤلؤاً سماء
سرنديب وفيضي آبار تكرور تِبرا


أنا إن عشت لست
أعدم خبزاً وإذا مت لست أعدم قبرا


همتى
همة الملوك ونفسي نفس حرٍ ترى
المذلة كفرا








فتساقط الناس من حوله وهو شاخص لجنبه


قلت يا قلمي لقد أفزعتني وتظن نفسك نصحتني


لكن حبيبي ما غاب عني ما ذكرته إلا ذكرني


فقال أعد المقالة الأنفة فإنها للقلب ناسفة


قلت اخترت الغلط ورمت
الشطط


لو أنك بذكرها ذكرته
وبالحسن تفكرته لكان لك بذكره الأجور تدخره يوم النشور


صل يا هذا على الرسول أبو بتول صلى الله عليه وآله ما تكر
الملوان وتعاقب النيران


وأنشدته شعرا وردي
للعارف بالله شهاب الدين السهروردي :


أبـدًا تحـنُّ إلـيـكـمُ
الأرواحُ
ووصالُكم ريحـانُـها والرَّاحُ


وقلوبُ أهـل ودادكـم
تشـتاقكم
وإلى لذيـذ لقـائـكم ترتـاحُ


وارحمـتا للعـاشـقين
تكلَّـفوا
سَتْرَ المحبةِ والهوى فضَّـاحُ


بالسِّـرِّ إن بـاحوا تُباح
دماؤهم
وكـذا دمـاءُ العاشـقين تُباحُ


وإذا هـم كتـمـوا تحدَّث
عنهم
عند الوشـاةِ المدمعُ السـفَّاحُ





فقال الحضور صلى الله
على الرحمة المهداة صاحب الدلائل والمعجزات


فترق المجلس من حولنا
وما بقي إلا هو وأنا

بسم الله
والصلاة والسلام على مصطفاه


و على آل بيته وسلم تسليما





قلت:
لقد أبعدت، وأخطأت، حصرت العشق في القرب، ولكن معناه في القلب


قال
كيف قلت، وبالكاد أنصفت !؟


قلت
هذا دليل جليل ،بأن قلبك لم يصل إلى الغليل، لقد روي قديما عن أعربي، بدوي، مرت
محبوبته من شارع، فأخذ يسارع، فقال ومن حوله الرجال محبوبي مر من هنا، ولا أراه
إلا أنا، قالوا وهم في عجب، من شدة الخطب، ما الذي تقول، لعله أصابك خطل، أو جلل،
قال وصال وجال: رائحته في هذا الشارع ،لذا تراني بمعناه أراجع، فأغمي عليه من شدة وجده، والمعاني التي
وصلت لقلبه، قلت: انظر للمعاني، وما فيها من مباني،


ثم
قلت له وأنا في جزع، من شدت ما أسمع، أو تظن الحب ينفصل، أو عن القلب يضمحل


قال
أظن ذلك، وأشرت إلى هذا قبل مقالك ،


قلت:إيه
يا أخي دعني، والمعنى الذي في قلبي،


إذا
تذكرتها ذهب النوم عن عيني، وبتّ أنا في وجدي، أتذكر لحاظها ،وحسن مقالها، هذا كله
في الفؤاد، في مكان ليس في الحساد، إلا هي وأنا، أظنها لي وهي تظنني أنها هي أنا،
لأن خيال يقودها كما أراد، لا على حسب المعتاد،


خيالها في قلبي
وذكرها في لساني فأين تغيب


نعم
مجنون ليلى قيس، وكذا الشاعر البار امرؤ القيس ،تحدثوا عن لطائف إشارتهم، وعن
مخبوء أفكارهم، فتركوا لنا شعرا نتغناه، وكلاما نقوله لمن أحببناه، فانظر لمنازل
العشاق، كيف سدّت الآفاق.


لأنهم
عرفوا معنى أن يكون الفتى الصاب، ومن جرّب عرف آلام العذاب ،


ولا يعرف
الصبابة إلا من يعانيها


فالتفت
إليه، وألقيت بنظر إليه، فوجدته مليء بالدموع، وقلبه يأنّ من الخشوع،


قلت
هذه هي آنين العاشقين، ومقام المحبين، وكل قد علم مقامه، وفاق نواله،


قلت
اسمع مني فإني مجرب لما تقاسي، فدعني أفرغ قطرات الآسي ،


الحب
جسيم، ومن جربه فهو به عليم ،


إن
الحب جنون، والجنون فنون،


أرني إذا ما أظلم الليلُ أشرقتْ.بقلبي
من نارِ الغرامِ مصابيـــــــــحُ


أُصلي بذكركم إذا كنتُ قائمـــاً..ألا
إنَّ تذكارَ الأحبةِ تسبيح


يشحُّ فؤادي أنْ يبوحَ
بسرِّكـمْ..كذلك بعض الشُّحِّ في المرء ممدوح





هذه
اللياليا، ومن جربها عرف بلائيا، فلا أدري إذا ذكرتها كيف يكون مسائيا،


لقد
تباينا في الأفكار، وكل من الأخيار، إن شاء العزيز الغفار،


فقلت
حبيبك ذهب، وكهل وغاب، وحبيبي في القلب شاب،


تعبيرك
بعيد، وعن الحب غير رشيد،


تعلقت
بالمحسوس ،وانا أحدث كيف تكون عليه جسوس ،


فللقلب
أمير، وهو معروف وشهير،


إذا
علم سره، توجه بكله،


وترك
الكل، وتوجه بالجل،


لا
يسمع، ولا يرى، إلا بها، فإن سمع فبأنفاسها، وإذا أبصر فبمجالها،


سئل
قيس عنها، فقال أبصر بها، وتبصر بي وكلانا ناظر قمرا، وهو عن العين ما استترا ،


هي
في بغداد ،وهو في أقصى البلاد، عجبا كيف هي العين تعشق، والأذن تعشق، والوجه يعشق،
فما من حاسة إلا وإليها توجهت، وبسرها تعلقت.


أين
أنت يا قلمي، مما انا أصف وانمي ،


هذا
حديث عليك بعيد، يغنى في المواجيد،


لتسمع
الصعق والزفير، وما يجري من الأنين الكثير،


فأنعم
بأنين العاشق، والوله الدافق، صاحب العاطفة الجياشة، وما يجري من برد الحشاشة، يحس
قلبه تقطع، والأعضاء تنزع، فإذا أشرقت شمسها، وبان رسمها، أخذه الوله، من شدّة ما
رأى، وما لاحظ وما جرى،


يروى
قديما، وهو ما غاب جديدا، أنّ أعرابيا كان محبا لجارية، وما تقاسمها من الأيام
الشديدة الخالية، فكان يحس بها، وتحس به،


فقالت
أنت ترى حالنا، وما يخفى على غيرنا، فأنا أطلب منك أن تموت، لكي ألحقك ونفوت،
فتصبح قصتنا تروى، ومع المحبين تحكى، قال أمرك نافذ، فنام على صخرة صماء، وهو في
أعلا مقامات الجوى، فمات وذهب،وهي تنظر وتقترب، فهدأت أنفاسه، وغاب عنها بجسمه،
وبقي بفؤاده ،كان هنا وراح، وبقي في الفؤاد في ارتياح، يذهب معها أينما ذهبت، وفي
القلب نبت، تسقيها من عطر حبها، وتكسيه من معاني دفئها، ما تنطق إلا بذكره، وتنتظر
سماع صوته، حتى حان موعد رحيلها، فنظرت إليها جارية بكّاء، عن المحبين سمّاعا،
فروت لها القصة لتأخذ منها العبرة، فشهت شقتين، وغادرت العالمين،شهقة لها تُسمع
وشهقة له من داخلها للجزع





وهي تقول حبيبي ما غاب عني وفي فؤاده مسكني





يا
أخي انظر وتفكر لتأخذ العبر


أنت
حدثتني عن حب العصر، وانا أحدثك عن حب مصر، ففيها شفاء الفؤاد المجروح، وآلام
القروح،


فالتفت
–العامري- للأخ وقد أصبح مجذوبا عن حاله ،مقبلا على جلاله، ذا هيبة عالية ،ودموع
جارية،


فقال
أنصفت المحبين، وأرحتني يا مسكين،


والله
ذهب الحب المحبين، وبقيت إلا آثار المغنين
،


فقبل
رأسي، وهو يقول زمم لي، لكي أرتاح مما أصابني ،


قلت
رحمني الله وإياك وأبعد عنا الهموم، والغموم،


فإني
مجرب لما جربت، وملاحظ لما لاحظت،


أسأل
الله لي ولك أن يقرب لنا الأحبة، ويبعد عنا الحسدة، لكي نعلم بعدها كيف نعرف سرها،
ولا تحاول أن تعرف ما في قلبي، فإنه مكسي، وحبيبي مسدل جلبابه، مبعد عنك نواله،
ولحاظه، ومحاسن أوصافه.


فشهقت
وبكيت من ذكر الحبيب وما أتذكره منه منذ زمن قريب


أسأل الله
ان يجمعني وإياه


فلا حول
ولا قوة إلا بالله


فأشفق
صاحبي لحالي، وما رآه من مآلي،


فتحدث
الصاحب وقال ها هي قصة الحزين انتهت فسقط العامري مغشيا عليه، وزهق وراح ،وأجاد
بسره وباح، فكانت نهايته ما ترى، والحوار الذي جرى، فحملته على كتفي، لأرى أومحق
أم يدعي، فكمدت أنفاسه، وغابت محاسن أوصافه، فرحمه الله ،وأذاقه من طيب ذكراه،
بأحسن ما كان يقول ويصول، بالكلام ويجول، وألقاه الله بمحبوبه، كتم حبه، وأبعد عنا
سره.


رحمه
الله، وجعل الجنة مثواه، وغفر له ذنوبه، وأبعد عنه حزنه، وكل ما يشوبه ،آمين
والعاقبة للمتقين.


قال
راوي القصة والعبرة، كتبتها بقلمي، لما أحسست في صدري ألمي، يوم السادس من الشهر
الثاني عشر من العام الثامن والألفين قائلها ومسطرها المرحوم المعلوم يونس العامري الحسني والله أعلم بالحال والمآل.


القصة انتهت
،وبالعبر امتلأت،


والسلام ،


ما دامت
الأيام،


تطيب بذكر
العاشق ،


في بحار
موجه غاسق،


إلى حبيبي
وقدوتي، ومؤنس قلبي، سيدي مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ،


وأنالني
الله زيارته وقربه، والموت عند قبره، صلى الله عليه وسلم


صلوا على
من بلغ العلا بكماله


صلوا على
من شرفت جميع خصاله


صلوا على من
طبت بذكره


صلوا عليه
وآله





يا رسول
الله صلى عليك الله يقول عاشقك ومحبك الفقير إليك


أحببتك وما
أبغي سواك فهل ترحم عاشقا ما يريد إلا إياك


فأدخلني
تحت عباءتك وجعلني منك وإليك


يارسول صلى
الله عليه وآله وسلم


قالها محبه يونس العامري