أذآآآن النّهاية}
وَتَتَناقَلُ رِمالُ الصّحرَاء وَجعَ الجَسَدِ المُنهَك ..
تَبكِي الألَم ..! .. يَهطِلُ الغَمامُ دَمْعًا ..
يَخْتَبِئُ الفَرحُ خَلفَ لَيَالٍ عَاصِفَةٍ مِنَ الوَجَع وَالفَقد !..
نَفَضَهَا رَحِمُ الشّوقِ فِي لَحظَاتٍ أخِيرةٍ بِمَرَارَةٍ !..
تَبكِيه أحياءُ الأرضِ وَجَمادَاتُهَا ..!
" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دينًا "
آآآه .. أوترحل نسَماتُ الهِدَاية عَن صَحرَاءِ الجَزِيرة ؟!..
،
" إني قد أُمرتُ أن أستغفر لأهل هذا البقيع!.. "
وَيَمضِي الحَبِيب بأنّاتِه ..
يَبُثّهُم أشْوَاقَه ..
بِأوجَاعِه .. يَقِفُ بَينَ قُبُورِهِم ..
مُستَغفِراً لهم ..
" السلام عليكم يا أهل المقابر، ليَهُن لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه"...
وبشرهم قائلاً: "إنّا بكم للاحقون!.."
يا شفيعي !..
أتَمضِي يَا نِبْرَاسًا أضَاءَ فِي عَتْمَة الضّيَاع ؟!..
وَبَكَى الرّسُول صلى الله عليه وسلم.. وَهُو رَاجِعٌ ..!
أيُدرِكُ أحَدكُم لمَ بَكى الحَبِيب ؟!..
سَألَهُ صَحبُه ..
مَا يُبكِيك يَا رَسُول الله ؟!..
فقال: " اشتَقتُ لإخوانِي .." ..
فقالُوا: " أَوَلَسْنَا إخْوَانَك يَا رَسُولَ الله ؟! " ..
قَالَ الحَبِيب : " لا ! أنْتُم أصْحَابِي، أَمَّا إخْوَانِي فَقَوْمٌ يَأتُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤمِنُون بِي ولم يَرَونِي .. "
لَحظَاتٌ مِن صَمتٍ تُلفُّنِي ..
تُخَدّرُ أطْرَافِي ..
تَشُلُّهَا عَنِ الحَرَاك !..
وَنَحنُ نُحِبُّكَ يَا رَسُولَ الهُدَى ..
أرْوَاحُنَا فِدَاكَ يَا حَبِيبَ الله ..!
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
وَيَشتَدُّ الألَم !..
بِعُنْفُوَانِ الآآه .. يَستَأذِنُ مُحَمّدٌ الزّوج .. الرّسولُ الإنسَان .. زَوْجَاتِه فِي أن يمَرّضَ عِنْدَ السّيدةِ عَائِشة ..!
وَإنّك لَعلَى خُلُقٍ عظِيمٍ يَا سَيّدِي يَا رَسُولَ الله ..
أرَادَ القِيَام فَمَا اسْتطَاع حَبِيبِي عَليه السّلام ..
فَحَملَهُ عَلِيٌّ والفَضلُ بن العَبّاس - رَضِي الله عنهم - وَأتَوْا بِهِ حُجرَة عَائِشَة !..
والمَسْجِد قَد فَاضَ بِصحبِه يَسألُون عَنه !!..
أَرَأيتَ الحبِيب يَئن ؟!.. أَرأيتَهُ وَالتّعبُ يَشُلّه ..
أرَأيتَ مَا عَانَى وَقَاسَى ؟!..
أتَرَاه وَهُو فِي السّتين يُقعِدُه المَرَض !.. خَائِر القِوَى ..
تَتَدفّقُ شَلّالات العرقِ النّدِي مِنه ..!
وَتَمسَحُ عَنْه السّيّدَة عَائشَةُ عَرَقَهُ بِيدِه .. وَهِي تَسمَعُه يقول: ..
" لا إِلَه إلا الله .. إنّ للموت لَسَكَرات .. لا إِلَه إلا الله .. إنّ للموت لَسَكَرات .. " ..
فِداكَ أبِي وَأمّي يَا نَبِيّي .. يَا مُحمّد ..!..
،
آخِرُ الدُّرَر ..
يُصَبُّ علَيهِ سَبعُ قِربٍ مِن المَاءِ لِيفِيق ..!!..
وَيُحْملُ إلَى المِنبَر ..
- " إني فرطكم، وأنا شهيدٌ عليكم، وإني والله لأنظرُ إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها "
- " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم "
- " اتقوا الله في النساء"، "أوصيكم بالنساء خيراً "
- " أيها الناس إن عبداً من عباد الله قد خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله "
فَعَلَى صَوتُ أبي بكر رضي الله عنه بِالنّحِيب .. إذ فهم ما أراده الحبيب .... وَقَامَ تَخْنُقُ عَبَراَتُه عِبَارَاتِه ..
" بأبي وأمي! نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا "
والناس تَنظرُ إليه شَذَرًا .. أنّى لَه أن يُقاطِع الرّسولَ بِخُطبَتِه ..
فنادى فيهم المُصطَفى .. مُدَافِعًا عن صاحبه ورفيقه في الغار ..
"إنّ مَن آمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلا غير ربي لاتخذتُ أبا بكر خليلا، ولكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر "
أتدرِي ما آخر رسالةٍ له ؟!.. أتدري لمن أرسلها ؟!..
قال عليه الصلاة والسلام مُخاطباً أهل بيته: " وأقرؤوا أنفسكم مني السلام، ومن غاب من إخواني فأقرؤوه مني السلام، ومن دخل معكم في دينكم بعدي فإني أُشهدكم أني أقرأ السلام [أحسبه قال] عليه وعلى كل من تابعني على ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة "
ألا فَصلّى الله عليك يا رسولنا المُكرَّم .. ألا فصلواتي وسلامي لك يا خيرَ مَن مشى على قَدمِ ..
،
بكَتْ فَاطِمة ..
فما عادَ أبُوهَا يَقوى على القيام لتَقْبِيلهَا ..!
بِعُمقِ الأبُوَّة .. " أُدني مِنّي يا فَاطِمَة .. " ..
لِيهمسَ في أذُنِ ابنَتِه الطّاهرةِ .. أمُّ أبِيهَا .. السّيدةُ بِنت سيّد العالمين .. فَتبكي وتضحكَ ..
" سارّني النبي صلى الله عليه سلم: أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارّني فأخبرني أني أوّل أهل بيته يتبعه، فضحكت "
لعلّ الآباء يتعلّمُون مِنْك .. يا دُرّة النّور ..!
،
ويرقُد عليه أفضَلُ الصّلاة وأتمّ التَسلِيم على صَدرِ زَوجِه السّيدة عائشة بعد أن ألقَى النظرَة الأخيرَة ..
النّظرةَ الأخِيرة .. على أبِي بَكرٍ وهو يَؤمّ المسلمين ..
وَابتَسمَ الحّبِيب .. وهو ينْظُرُ إلى الغَرسِ الذي غَرَسَهُ بِيَدِه ..!!
وعلى النّبتَةِ الكريمة .. التي رَعَتْهَا عَيْنَاه بإذن ربّه..
،
أذآآن النّهاية ..
بين سَحر أُمّنا عَائِشَة وَنَحرِهَا .. وَخُشُوع الفجْرِ المَدفُونِ فِي عَينَيهِ الطّاهِرتَين ..!!
وَقَد رَفَع يَدهُ الشّريفة إِلَى السّماء ..
[ بَلِ الرّفِيق الأعلى ..
بَلِ الرّفِيق الأعلى ..
بَلِ الرّفِيق الأعلى .. ]
وَاشتَدّت الحُمّى وَسَكَراتُ الموتِ عليه .. وَمَسحَ العرَق عَنْ جَبِينِهِ الأزْهَر الأَنْوَر ..
" لا إِلَه إلا الله .. إنّ للموتِ لَسَكَرات .. لا إِلَه إلا الله .. إنّ للموتِ لَسَكَرات " ..
أقْبِل يَا مَلكَ المَوت ..
أقْبِل يَا مَلكَ المَوت ..
أقْبِل يَا مَلكَ المَوت .. لتَرفَعَ أطْهَرَ رُوحٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْض ..!!..
" مع الذين أنعمتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى "
وَسَقَطَتْ يَدُ الحَبِيب ..!!
وَمَاتَ رَسُولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم ..
،
إلى سَمَاء قَد كَبَتَتْ زَمَنًا .. فِيضِي ..!
وَفجّري سَوَاقِيكِ ..!
لَتَغْسِلِي وَابِلَ الفراق !..
،
وَتَفصِلُ بَينَنَا نَبَضَةٌ أَو أُخْرى ..!
أيهَا المُحِبُ للحبيب ، يَا عبد الله ..
يَا مَن رَقّ قَلبُه
وَخَشعَتْ جَوَارحُه ..
وَدَمعَتْ عَينه ..
اعلَم بِأنّ الحُبّ الحقيقي ..
ليس دَمْعةً تَسكُبُهَا العين!..
وليست كَلِمَاتٍ جمِيلَةً تُردِّدُهَا الألسنة ..
ولكن ..
فعلٌ لأمره
واجتِنَابٌ لِنَهيِهِ
ووُقُوفٌ عندَ حُدُودِه
ونصرٌ لِسُنَّتِه
واتِبَاعٌ لِشَرِيعَتِه
ورَفْعٌ لِرَايَةِ دَعوتِه
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
صلاةٌ وسلامٌ زكيّين ... عليه أفضل الصّلاة والسّلام
فيا أيُّها المُحِبُ اتّبع رسُول الله وَاتبع سُنَتهُ
" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ "
قَبْلَ أنْ تُغَادِرُوا ..
كُلَّمَا نَظرتُ حَولِي .. يَملَؤُنِي رُعبٌ يَمتَدُّ لآخر العُمق .. فَأُغمِضُهُمَا هَربًا .. وَألتَفِتُ إلى طُهرِ البَيَاض .. فَتُدَثِّرُنِي الطمَأنِينَةُ ..
قَبْل أنْ تُغَادِرُوا .. أغْمِضُوا أعْيُنَكُم وَتَخيّلُوه يَومَ الكَوْثَر !..
ونَحنُ جَنبَه .. مُطْمَئِنّين بَينَ أحضَانِه .. يَلُفُّنَا نَقَاءُ اللّقَاء ..
ألا فَحَيَّ على اللّقَاء ...ألا فَحَيَّ على اللّقَاء